الدولية

تظاهرات العراق ولبنان مستمرة.. والمطلوب كف أذى الملالي

 القاهرة – رضا سلامة

رغم تبني البرلمان العراقي لما سمي بـ” خارطة المرجعية للحل”، التي أعلنها السيستاني، وإعلان مجلس النواب حالة الانعقاد الدائم، والمطالبات في لبنان بتسمية رئيس حكومة جديد غدًا، وبتشكيلها خلال أسبوعين، تتواصل الاحتجاجات الحاشدة في العراق ولبنان، التي يرفع خلالها المتظاهرون الذين يمثلون مختلف الطوائف والمناطق، في ساحات البلدين، وفي القلب منها ساحتا التحرير في بغداد ورياض الصلح في بيروت، شعارات تكاد تتطابق تمامًا؛ رفضًا للطائفية والمحاصصة والفساد وانهيار الخدمات وتدخلات إيران في شؤون البلدين،

وبينما لم تنقطع تهديدات طهران للمتظاهرين عبر مسؤوليها أو عملائها المحليين، يبدي المنتفضون العراقيون واللبنانيون تصميمًا لا يلين على الاستمرار في ثورتهم على الطبقة أو النخبة السياسية، حتى تتحقق مطالبهم في وطن يعلي شأن المواطنة وحقوق الإنسان ويصون المقدرات والاستقلال الوطني.

خارطة عراقية و”أحد ضغط” لبناني
المشهدان العراقي واللبناني شهدًا تطورات متسارعة، خلال أمس السبت، ففي بغداد تلقف رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، دعوة المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني للشعب العراقي إلى إجراء استفتاء عام، لتحديد طبيعة النظام السياسي في البلاد، معلنًا أن مجلس النواب سيظل في حالة انعقاد دائم،

لتنفيذ ما أسماه خارطة المرجعية الدينية لإخراج البلاد من أزمتها، وهو ما توافق معه هادي العامري زعيم تحالف “الفتح” ثاني أكبر الكتل في البرلمان العراقي مطالبًا بإجراء تعديلات دستورية ضرورية، بعدما فشل النظام البرلماني في إدارة شؤؤن العراق، فيما ظل مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري التابعة له كتلة “سائرون” صاحبة أكبر تمثيل في البرلمان، ملتزمًا بدعوته للإطاحة برئيس الوزراء عادل عبد المهدي،

فيما يتسم موقف عمار الحكيم زعيم تيار الحكمة بالتذبذب، وإن كان قد مال إلى تأييد بقاء عبد المهدي بعد تدخلات إيرانية في هذا الاتجاه، وتتسم مواقف القيادات السنية والكردية وباقي المكونات الشيعية بالغموض والصمت.

ولم يختلف المشهد كثيرًا في لبنان من حيث المضمون، وإن تبدل بدرجة كبيرة من حيث الشكل، حيث دعا المتظاهرون إلى “أحد الضغط” اليوم، بتسيير تظاهرات حاشدة، خاصة في مدينة طرابلس شمال البلاد والعاصمة بيروت، على أن تعقبها تظاهرات كبرى، غدًا الاثنين، وهو اليوم الذي حدده المتظاهرون كمهلة للسياسيين لإنهاء مشاورات تسمية رئيس الحكومة الجديد، على أن يجري تشكيلها خلال أسبوعين، وتكون بمثابة حكومة إنقاذ تضم غالبية من التكنوقراط. ولكن العديد من السياسيين يخشون عرقلة حزب الله لهذا التوجه.

وتبدو التطورات الأخيرة في العراق ولبنان متأخرة، ولا تلبي مطالب الحراك الشعبي المنادي بتغييرات جذرية تطال أسس النظام ومعادلات الحكم الحاكمة في البلدين.

عنف وترهيب
تراوحت وسائل المسؤولين والمليشيات التابعة لإيران في العراق ولبنان، في التعاطي مع الاحتجاجات بين العنف المفرط أو العنف المحدود مع الترهيب، وبحكم عوامل تاريخية وجيوسياسية كان العنف مفرطًا في العراق، حيث تسبب في مقتل قرابة 265 متظاهرًا، حتى الآن، بحسب إحصائيات رسمية،

فيما تجاوزت أعداد الجرحى 8 آلاف جريح، مع وجود المئات الذين أصيبوا بالاختناق إثر تعرضهم للغاز المسيل للدموع، بينما في لبنان اتسم التعامل مع التظاهرات بعنف محدود مع ترهيب واضح، حيث مارست مليشيات حزب الله مدعومة أحيانًا بحركة أمل، عمليات لفض الاعتصامات والاعتداء على المعتصمين وحرق خيامهم.

واقع جديد
ورغم العنف والترهيب، والمحاولات الحثيثة لإجهاض الحراك الشعبي في العراق ولبنان، إلا أن واقعًا جديدًا قد ظهر، ولا يمكن محوه أو إنكار قيمته وتأثيره؛ الشعب العراقي واللبناني انتفض ودمر حواجز الطوائف والمناطق، واكتشف أن الفرقة المزروعة بين مقومات المجتمع الواحد محض أوهام وخرافات، وأن الهم والمعاناة والمطالب والحلول أيضًا واحدة على امتداد خريطة الوطن، الذي يحلم الجميع بالعيش فيه بكرامة، دون حاجة للإذلال ليحصل على أبسط حقوقه.

دور إيران وتركيا
ومثلما جاء في قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي “برز الثعلب يومًا في ثياب الواعظين”، اتهم حاكم إيران علي خامنئي أمريكا وأجهزة الاستخبارات الغربية بإثارة الفوضى والاضطرابات، وتناسي خامنئي أن دولته ومليشياته خارج إيران هي زارعة وراعية الفتن والحروب والدمار في المنطقة.

ولم تتوان تركيا عن المساهمة في قمع احتجاجات العراق، حيث قالت مصادر عراقية إن طائرتي شحن تركية تحملان مواد خاصة بمكافحة الشغب، تكونت من ملابس خاصة بقوات مكافحة الشغب وعبوات غاز مسيل للدموع وقنابل غازية ورصاص مطاطي وعصي وهراوات، سلمت كهدية تركية لوزارة الداخلية العراقية، وأن الهدية مقدمة صفقة عقدها العراق مع الجانب التركي لاستيراد هذه المواد لإنهاء المظاهرات.

أسباب الحراك
ويمكن القول بيقين كامل، إن تظاهرات العراق ولبنان بدايات ثورة على أوضاع مأساوية وقاسية في البلدين، بدءًا من الطائفية المقيتة والمحاصصة السياسية، مرورًا بالفساد ونهب الثروات وفوضى السلاح والمليشيات والتغول الإيراني، انتهاءً بتخريب الحياة اليومية للمواطن العراقي واللبناني البسيط، بفعل سوء كل الخدمات، لذلك الأزمة لا تحل بتبديل أشخاص أو بانتخابات مبكرة أو بوعود مكررة، أو بـ” خارطة المرجعية” والانعقاد الدائم للبرلمان، أو بمطالبات تشكيل حكومة إنقاذ، وإنما بتغيير “النظام والعهد” بالكامل، وبناء دولة جديدة على أسس العدالة والمساواة بين المواطنين، والتخلص من الهيمنة الإيرانية، وترسيخ الانتماء العربي الطبيعي للعراق ولبنان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *