اجتماعية مقالات الكتاب

ما أحوجنا إلى اللمة

أين هي لمّة العائلة؟ أين هو الالتفاف حول الجد والجدة لسماع أجمل القصص والحكايات ، لماذا لم يعد للأب هيبة الرجال وللأم مكانتها الحنونة ؟! ، أين هو الأمان الأسري الذي كنا نقوى فيه ، وأين هو الاستقرار النفسي الذي كنا نسترخي عليه ، أين هي ضحكات الكبار وتغاريد الصغار ؟! أين هي الحوارات التي كانت تصدح عنهم وتسمع كل من به صمم ، لماذا كل هذا الصمت الرهيب ؟ لماذا كل هذا التلبد في المشاعر والجمود في الأحاسيس ؟ ماذا جرى ؟ هل نحن حقاً أمواتاً أم أحياء بلا أرواح ؟

لقد تشرذمت حياتنا واضمحلت سعادتنا حين ذهب كل منا في طريق ، فلا أحد يسأل عن أحد ولا أحد يتشوق لرؤية أحد ولا أحد يهمه أن يعرف حال أحد . فقد بدأت العزلة الاجتماعية في علاقاتنا والتوحد في سلوكنا منذ أن انتصرت علينا ثورة المعلوماتية وغزت برامجنا اليومية ، فحرمتنا متعة التواصل وشغف الالتقاء بالأصدقاء ، ومما زاد في الطين بلة وزادنا شقاء على شقاء ، هو غياب القدوات وتواتر الخيبات في ظل موجة الصراعات والحروب التي عصفت بعالمنا العربي وأصابتنا في مقتل ، حيث تفككت روابط الكثير من الأسر وتحطمت على صخراتها تابوهات القيم والأعراف.

كيف لنا أن نحيا جودة الحياة من دون أن نجتمع ونعمل معاً وعلى قلب رجل واحد ، كيف لمجتمعنا أن ينهض من دون أسرة متماسكة ، كيف لدولة أن تطلب العلا وهي تفتقر لإنجازات ثرواتها البشرية ، كيف لمسن أن يستكمل بقية عمره دون ابن بار يحمل معه تبعات شيخوخته ، وكيف لطفل بريء أن ينمو ويتعافى من غير أم صاحية ترعى لوازمه ، وكيف لشاب طموح أن يتطور في عمله وهو مغمور في عالمه الافتراضي ، كيف لعائلة كريمة أن تستثمر في أبنائها وهي لا تنصت إليهم ولا تحاكي متطلباتهم ؟ !

وكما يقال ، ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ، فالإنسان يحتاج إلى جانب غذائه المادي وغذائه الالكتروني الذي أدمن عليه في غفلة من الزمان ، يحتاج إلى غذاء فكري وإشباع عاطفي ، يحتاج إلى دفء الأسرة ، يحتاج إلى الصديق وقت الضيق ، يحتاج إلى واحة الأحبة ولقاء المحبين ، وقديما وصف أحد الشعراء حاله وهو يتضور ألماً على فراق محبوبته مؤملاً نفسه بعودتها والرجوع إليها يوماً ما ،حيث قال :
لا يعرف الشوق إلا من يكابده …. …ولا الصبابة إلا من يعانيها
روح المحب على الأحكام صابرة ……لعل مسقمها يوماً يداويها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *