المحليات

مكفوفون بشهادات علمية يرفضهم سوق العمل

جدة – فاطمة محمد

طالب عدد من المكفوفين قطاع الأعمال بتمكين ذوي الإعاقة للحصول على فرص وظيفية أكثر تلائم ظروفهم ،وتحقق قدرا من المساواة بالآخرين من خلال توفير برامج التدريب وإعادة التأهيل اللازمة لهم بالتعاون مع الجهات المتخصصة، كما طالبوا بتوفير الأجهزة التعويضية والتقنيات المساندة، وسهولة الوصول الشامل في مقر العمل بالتزامن مع توعية زملائهم على رأس العمل بقدرتهم على الإنتاج والاندماج في بيئة العمل بصورة طبيعية.

“البلاد” رصدت مطالب هذه الشريحة من المجتمع ، ومعاناتهم مع صدود قطاع الأعمال عن تحقيق حلم القادرين والراغبين منهم على العمل خاصة الحاصلين على شهادات دراسية ، بل شكواهم العامة من السلبية المجتمعية تجاه حقوقهم.

البداية مع منيرة العبد الهادي ، كفيفة خريجة ثانوية عامة، وتطمح أن تصبح اخصائية نفسية أو اجتماعية، تؤكد أن المكفوفين لديهم طموحات عالية جدا ويريدون فقط إتاحة الفرص لهم، وترى أن المجالات المناسبة للكفيف ومع تقدم التكنولوجيا كون الكفيف له القدرة على العمل في العديد من المجالات التي تناسبهم خاصة في الشركات ، مشيرة إلى أن المكفوفين أغلبهم يجيدون استخدام جهاز البرايل نوت تاتتش، وقالت: “أتمنى أن يكون توظيف المكفوفين سهلا لأنهم مبدعون ويستحقون هذه الفرص.

عشرات المطالبات
ويقول محمد سعد (كفيف) وهو مدرب معتمد لفاقدي البصر، أن هناك عشرات المطالبات سبق أن طرحناها في مناسات عدة ذات صلة بقضيتنا دون أي جديد بشأن فرص العمل، ولا يزال الكثير ممن تسمونهم بالفئة الغالية دون وظائف، في الوقت الذي يخاطبوننا بـ”الفئة الغالية” لكن لا نرى ترجمة لهذه الصفة على أرض الواقع بخطوة هادفة في مجالات العمل المناسبة.
وأضاف: ” الكفيف والكفيفة يبذلون جهوداً أكثر من غيرهم في الدراسة، فلا مناهج جامعية مهيئة، كما أن كثيراً من التخصصات العلمية ترفضهم. دون النظر بأن هذا الكفيف بذل جهداً كبيراً لما وصل اليه من التعليم، إضافة إلى ذلك بأنه يحاول أن يتأقلم مع البيئة التعليمية غير الملائمة، ويتخرج بمعدلات مرتفعة، لكن تأتي الصدمة الأكبر عندما يُقال له “لا توجد وظيفة”.

طوابير الانتظار
أيضا عبدالله أحمد، وهو كفيف بشكل كامل منذ الولادة، وحصل على بكالوريوس من جامعة أم القرى بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف في تخصص شريعة اسلامية، يقول: ” الاشكاليات عند المكفوفين أن الوظيفة التي تناسب غالبيتهم هي التعليم في معاهد النور وبرامج العوق البصري، والوزارة للأسف أصدرت قبل عدة سنوات قرار بوضع جميع الخريجين من المكفوفين من جميع التخصصات على تخصص تربية خاصة مسار (عوق بصري) وبهذا أصبح هناك تكدس شديد، لأنه في السابق كان كل كفيف يتم تعيينه حسب تخصصه مثال (دين بصري) و(عربي بصري) وهكذا. أما بعد هذا القرار فأصبح الجميع يتبع لمسار العوق البصري تحت احتياج التربية الخاصة لذلك وُضِعَ المئات من المكفوفين والكفيفات في طوابير الانتظار.

شيزو فرينيا بالتفكير
من جانبه يقول مشاري المانع إن بعض أفراد المجتمع يعانون من “شيزوفرينيا” في التفكير، فالمشكلة ليست في القوانين، كونها تنص على حقوقنا، إنما تكمن في البعض ممن لديه رفضا لتشغيل هذه الفئة، كما أن بعض الشركات تمتدح مؤهلات المكفوفين وتراها مناسبة ، إلا أنها (عند الجد) تضع معوقات وتُطرح على الكفيف علامات استفهام محبطة مثل كيفية الذهاب والسفر ويظنون أن الكفيف عاجز تماماً. ويضيف المانع: درسنا وتفوقنا ودخلنا الجامعات وتخرجنا بأعلى الشهادات، وأخيراً تتحطم أحلامنا، الى متى تكون الوظيفة حلم مستحيل. من جانبه يتذكر فهد الراشد أحد أصدقائه عندما ذهب لإجراء مقابلة شخصية في العمل، إلا أنهم رفضوه وكأن الكفيف إنسان فقط خُلِق ليأكل ويشرب وينام. لا يمكنه أن ينجز ولا أن يعطي، وأن يقدم لهذا العالم الشيء الكثير
.

أكثرهم قادرون
حول واقع تلك المشكلات قال أمين عام جمعية إبصار سابقاً محمد توفيق بلو، إن نسبة البطالة المتوقعة بين عامة القادرين على العمل من الأصحاء وذوي الإعاقة قد تمثل تحديا كبيرا في إيجاد فرص وظيفية كافية للمعاقين بصرياً أو أصحاب التخصصات المهنية الذين يفقدون بصرهم على رأس العمل سيما وأن هيئة الإحصاء الوطني قدرت عدد المعاقين بصرياً في المملكة بنحو 811,610 شخص ويتوقع أن 80% منهم قادرين على العمل، مطالبا هؤلاء بأن يكثفوا مشاركتهم وتواجدهم في لقاءات التوظيف التي ينظمها برنامج صندوق تنمية الموارد البشرية «هدف»

وقال : شاركت مؤخرا في ملتقى لقاءات جدة 2019 وتحدثت عن تجربتي «رحلتي عبر السنين» والتحديات التي واجهتها في العمل وكيفية تجاوزها، ولاحظت ضعف حضور ممثلي مراكز وجمعيات الإعاقة المتخصصة مما يعكس صورة لنقص الاهتمام بمسئولياتهم تجاه ذوي الإعاقة المرتبطة بالتوظف، وعدم تواجد ذوي إعاقة بأعداد كبيرة لاغتنام فرص التوظيف الأمر الذي يحتاج إلى دراسة الأسباب ومعالجتها لضمان المساواة في الفرص الوظيفية مع الأصحاء.

وعلى أية حال أرى أن الحل الأمثل هو إيجاد مشاريع صناعية مدعمة ببرامج تأهيل توظيف لذوي الإعاقة البصرية على شكل شركات غير ربحية أسوة بما هو معمول به في العديد من الدول الصناعية الكبرى التي تمكنت من معالجة البطالة بين ذوي الإعاقة البصرية وحولتهم إلى منتجين ومساهمين في التنمية تدار بما لا يقل عن 75% من ذوي الإعاقة البصرية و25% من المبصرين وتحقق إيرادات عالية تغطي تكاليف التشغيل وتدريب المعاقين وتطوير الانتاج بدلاً من محاولة اختراع العجلة في مجال توظيف المعاقين بإعطاء حوافز معنوية ومادية للشركات الموظفة تستفيد منها على حساب المعاقين.

وأشار بلو إلى مقترح سبق أن قدمه منذ سنوات، وهو مشروع “قرية ابصار الخيرية” الذي لم يحالفه الحظ ليرى النور رغم أنه تضمن منظومة متكاملة لمعالجة مشكلة إعادة تأهيل ذوي الإعاقة البصرية وتوظيفهم، وبعد إعلان رؤية المملكة 2030 أصبح ذلك المقترح أكثر إلحاحاً في ظل تنامي أعداد المعاقين بصريا وانتشار البطالة بينهم وقلة دخولهم مقابل تكاليف معيشتهم اليومية.

مشاريع ميسرة
وأكد بلو أن فقدان البصر لا يعني فقدان العمل، وأن المشاريع الصناعية الميسرة لذوي الإعاقة حل نموذجي لتوظيف المعاقين، مثل فقدان البصر التدريجي على رأس العمل، وغياب الأنظمة التي تضمن استمراريتي في العمل بصورة طبيعية، وقال إن عدم وجود برامج تدريب وإعادة تأهيل محلية، ونقص الوعي المجتمعي بالتعامل مع حالتي البصرية، التحدي الأكبر خلال مسيرتي العملية، وعلى ما أعتقد أن هذه إحدى المشاكل الرئيسية في توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة خصوصاً من يصابون بالإعاقة على رأس العمل، هذا ما خلصت إليه من واقع تجربتي مع فقدان البصر والعمل. وعن تجربته قال بلو: ” عملت في الخطوط السعودية ثلاثة عشر عاماً كملاح جوي في الفترة من 1980م إلى 1992م منها نحو أربع سنوات مضيفا جويا وأربع سنوات كأول طاهٍ جوي سعودي ثم أربع سنوات كمدرب طهاة جويين وملاحين بالخدمة الجوية، ولكني أصبت بإعاقة بصرية نتيجة التهاب صبغي وراثي في قاع العين على أثره أحلت إلى التقاعد المبكر من عملي بالخطوط السعودية في العام 1992م، وسافرت إلى الولايات الأمريكية مرتين والتحقت ببرنامج للعناية بضعف البصر بمركز لايت هاوس بنيويورك 1994م ثم برنامج تدريب وإعادة تأهيل بمعهد الجمعية الوطنية للمكفوفين بمنيابلس 1996م على إثرها أصبحت ناشطاً في مجال العناية بضعف البصر وإعادة التأهيل.

فكرة مشروع
وقال: قدمت فكرة مشروع وطني للعناية بالمعاقين بصرياً وإعادة تأهيلهم تبناها صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن عبد العزيز آل سعود “رحمه الله” (رئيس برنامج الخليج العربي للتنمية آنذاك) لتكون أول جمعية سعودية للتأهيل وخدمة الإعاقة البصرية أسست في 10/09/1424هـ الموافق 04/11/2003م باسم جمعية إبصار الخيرية وسجلت بوزارة العمل والتنمية الاجتماعية برقم 265 في 24/02/1425هـ وهكذا استأنفت ممارسة حياتي العملية بصورة طبيعية وفق قدراتي ومؤهلاتي وخبراتي، مما يؤكد أن خدمة العناية الإكلينيكية بضعف البصر وبرامج إعادة التأهيل بهدف تنمية الحواس التعويضية واستخدام الوسائل البديلة لممارسة أنشطة الحياة اليومية بصورة طبيعية هي المنطلق الأساسي لتمكين ذوي الإعاقة البصرية على القدرة على العمل وفق مؤهلاتهم وقدراتهم وخبراتهم خصوصاً إذا أتيحت لهم.

تمكين ذوي الاعاقة
ويطالب بلو قطاع الأعمال بتمكين ذوي الإعاقة من الحصول على أكبر قدر ممكن من الفرص الوظيفية المتاحة مساواة بالآخرين من خلال توفير برامج التدريب وإعادة التأهيل اللازمة لهم بالتعاون مع الجهات المتخصصة، وتوفير الأجهزة التعويضية والتقنيات المساندة، وسهولة الوصول الشامل في مقر العمل بالتزامن مع توعية زملائهم على رأس العمل بقدرتهم على الإنتاج والاندماج في بيئة العمل بصورة طبيعية، ومنحهم الوقت الكافي لاكتساب المهارة والتمرس على العمل المطلوب، مستشهداً على ذلك بتجربته الشخصية في العمل مع جمعية إبصار الخيرية لنحو 15 عاماً بعد حصوله على برنامج إعادة تأهيل في الولايات المتحدة الأمريكية، مكنه من استعادة قدراته الوظيفية والعودة إلى العمل بعد إحالته إلى التقاعد المبكر من الخطوط السعودية بسبب إصابته بالإعاقة البصرية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *