الحالمون السعوديون، لا واهمون ولا غافلون، لكنهم ثابتون بمنطقهم العربي الأصيل، وهمتهم الشامخة الأبية، ومخزونهم الحضاري والثقافي والعقائدي، وبطموحاتهم التي بلغت عنان السماء بقدراتهم على توظيف إمكاناتهم، عملياً لا نظرياً، دون الهروب من أقدارهم الواقعية، ولا شك أن كل مرحلة وطنية انتقالية تحتاج إلى أشخاص حالمين، بشرط ألا ينفصل الوعي السليم عن الواقع والوسيلة واليقين.. وهو نهج حكومتنا الرشيدة وعزمها على مواصلة مهمة الإصلاح الهيكلي للدولة وتطوير أجهزتها، للوصول بالعمل الحكومي إلى أفضل الممارسات العالمية، بفضل رؤية 2030 وهدفها الاستراتيجي للمملكة.
فمنذ أن خلق الله الإنسان وأودعه أرضه، عُرف الفساد؛ تحقيقاً لأهداف فئوية وفردية ضيقة، دون الالتفات للمصلحة العامة، لتنعكس سلباً على الدولة والمجتمع اقتصادياً واجتماعياً، فتظهر بالمظهر الناقص بالرغم من دعم الحكومات لها. لذا كان لزاماً إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في 2011، لردع المتورطين في القضايا المتعلقة به، رغم أن المجتمع لم يعي بشكل واضح معالمَ هذا التوجه المهم، إلى أن أمر خادم الحرمين بتشكيل لجنة عليا برئاسة ولي العهد لحصر قضايا الفساد العام 2017، والتي نجح مسعاها، واستعادت 400 مليار ريال من أيدي المتهمين في قضايا الفساد، والتي بلغ من تم استدعاؤهم 381 شخصاً، لتعود تلك الأموال الطائلة إلى مسارها الصحيح للدولة، ولتثبت القيادة على أرض الواقع أنها لن تتهاون مع من تسول له نفسه التطاول على المال العام.
ولم يكن اهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، وولي عهده الأمين – حفظهما الله – وليد لحظة عابرة؛ بل كان وفق رؤية فكرية ثاقبة، وحرص شديد على تطبيق شرع الله، وإيجاد الضمانات، وتهيئة الأسباب لمحاصرته، وتطهير المجتمع من آثاره الخطيرة، وتبعاته الوخيمة على الدولة في مؤسساتها وأفرادها ومستقبل أجيالها.
أجل، لم تنته مسيرة نزاهة في حماية المال العام ومكافحة الفساد، ولن تتوقف، بل إن الحرب مستمرة وعلى مستوى عالٍ من التنظيم والتنسيق، بدءًا من “نزاهة” ومروراً بما تم إنشاؤه من جهات تُسهم في كبح الفساد وآخرها التوجيه الملكي بتشكيل لجنة إشرافية لمكافحة الفساد برئاسة رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وعضوية رئيس هيئة الرقابة والتحقيق، ومدير عام المباحث الإدارية.
وقفة: بلا شك إن المواطن ينظر بافتخار إلى ما تحقق من منجز وطني يعزز مكانة الوطن في خارطة دول العالم التي تتمتع بأداء صارم في الحرب على الفساد وإيقاف أي متطاول على المال العام كائناً من كان.