اجتماعية مقالات الكتاب

عملٌ لو تعلمون عظيم.. إدارة عبقرية للحشود

أكرمني الله بحج بيته العتيق، مرتين، الأولى عام ١٤٣٧هـ، ٢٠١٦ ميلادية، وكنت بصحبة والدتي الغالية، متعها الله بالصحة والعافية، فأكرمني الله في ذلك العام بفضل الحج، وبركة خدمة والدتي ورعايتها خلال حجها.

ومن كرم الله، أن كتب لي، الحج هذا العام، ١٤٤٠ هـ، ٢٠١٩ ميلادية، وبخلاف الروحانيات التي يتطلب الغوص في أعماقها مجلدات، فإن المعايشة في الحجة الأولى والثانية، للمشاعر، مكنتني من المقارنة، وإدراك ما تحقق من تطوير ملموس، في خدمة ضيوف الرحمن.

الملاحظة الأولى، أن الإبداع في إدارة الحشود، ٢.٥ مليون، يتواجدون في مساحة جغرافية محدودة، في مدى زمني محدد، ويتنقلون في توقيتات محددة، من منى لعرفات، ومن عرفات لمزدلفة ومنها لمنى، ثم رمي الجمرات، وما يتطلبه ذلك الحشد من وسائل نقل، وإعاشة ورعاية صحية، وتأمين، هو عمل لو تعلمون عظيم، يقف خلفه منظومة عمل متكاملة تشارك بها جميع مؤسسات المملكة العربية السعودية.

الملاحظة الثانية: في هذا العام تم إدخال نظام التأشيرة الإلكترونية، فقد سهّل ذلك الحصول على التأشيرات عبر الموقع الإلكتروني لوزارة الخارجية، دون الحاجة إلى تزاحم الشركات أمام القنصليات في مختلف بلدان العالم للحصول على التأشيرة في جواز السفر.

الملاحظة الثالثة: منظومة العمل المتكاملة، فالداخلية تتعاون مع الخارجية، ومعهما وزارة الحج والعمرة، ولا تنفصل عنهم وزارة الصحة، الجميع يعملون في تناغم، بخطط واضحة المعالم، لإنجاح موسم الحج.

فمن الخارجية وسفاراتها بعواصم العالم تبدأ الرحلة، مرورًا بجهود الطيران، وتسهيلات الاستقبال في المطارات، ومرورًا، بوزارة الداخلية التي ينتشر أفرادها لتأمين الحجيج، وحمايته والحيلولة دون حدوث أي تدافع أو تزاحم، بابتسامة وحب يفعلون ذلك، يساعدون كبار السن، ويلقون برذاذ المياه على الحجاج لتخفيف حرارة الشمس.

ووزارة الصحة، تلك التي يعمل الآلاف من كوادرها على مدار الساعة، في خدمة الحجيج، وما أكثرهم الذين يطلبون رعاية صحية، خلال تلك الرحلة المقدسة، خاصة مع تواجد الآلاف من كبار السن، فالنقاط الصحية لاحظت تواجدها في كل مكان، في مكة والمدينة المنورة، وفي صعيد عرفات ومنى، تقدم الخدمة الراقية مجانًا لضيوف الرحمن.

ما أثلج صدري، هو المواقف الإنسانية، فهناك الآلاف ممن يعانون أوضاعًا صحية حرجة، لكن أفئدتهم هوت إلى حج بيت الله العتيق، وغلب الشوق إلى الله، آلامهم، وجاءوا إلى الله ملبين «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك».

بعضهم يتطلب غسيلًا كلويًا، وآخرون يصل عددهم ٢٩٣ حالة تطلبت جراحات قلب مفتوح، أجريت لهم الجراحات اللازمة، لكن أثلج صدري حرص وزارة الصحة على أن يستكمل هؤلاء الحجيج الذين يرقدون على أسرة المرض، حجهم، فمن يضمن لهم البقاء على قيد الحياة للحج في عام قادم، ومن يضمن أن تكون صحتهم أفضل من اليوم؟ ثم أي أثر نفسي يمكن أن يقع على ذلك الحاج إذا حال مرضه دون استكمال حجه؟!

كان رائعًا ما حدث، فقد تم تنظيم قافلة طبية مجهزة تجهيزًا كاملًا، نقلت المرضى على أسرتهم بعناية فائقة إلى صعيد عرفات، ومنه مع النفرة لمزدلفة، ثم مستشفيات منى، والأجمل إتاحة شاشات عرض كبيرة في مخيم القافلة ليشاهد المرضى الملازمون للفراش، خطبة عرفات وصلاة الظهر ليعيشوا الحالة الروحانية.

والدتي متعها الله بالصحة والعافية، في حجتي الأولى، أصيبت بوعكات صحية متكررة، ناجمة عن الإجهاد وطبيعة السن، وكنت أجد في كل وعكة، رعاية صحية فائقة، وبالمناسبة كنا قادمين مثلنا مثل مئات الآلاف من الحجيج على نفقتنا، غير مدعوين من أي جهة، وهذا مكني من الحكم على ما يُقدم من خدمات للجميع على قدم المساواة بموضوعية.

فمن بين الأمور الثابتة، التأمين، وبشاشة رجال الشرطة والجيش المتواجدين في كل مكان، وحفاوتهم بكبار السن، فمنهم من يُقبل رؤوسهم طالبًا منهم الدعاء، ومنهم من يداعبهم بكلمات لطيفة ليشد من أزرهم، ومنهم من يُلقي برذاذ الماء على رؤوسهم لتخفيف درجات الحرارة، أو يُساعد من ضل طريقه ليصل مخيمه، هذه المشاهد رأيتها رأي العين في الحجتين.

ومن المتغيرات، التطوير الملحوظ في مرمى الجمرات، تحديد مسارات واضحة لا استثناءات بشأنها، للذهاب والإياب، والتطوير المستمر بما يحتوي الزيادة العددية في الحجيج.

• رئيس تحرير بوابة روزاليوسف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *