لا شك اننا دولة غنية ولله الحمد، بالمال نستطيع ان نشتري احدث الاجهزة والمعدات والنظم، والتكنولوجيا ونستطيع ان نصنع اي آلة عملاقة وفق مواصفاتنا سواء آلية تحفر في اعماق البحار، ام مركبة تدور في افلاك الفضاء الفسيح، ام صواريخ تنقلنا عبر الكواكب،انه المال الذي يمكننا من تحقيق ذلك.
ومن حسن الطالع ان المولى عز وجل حبانا ايضا عقولا بشرية فذة وعملاقة تستطيع ان تدير ملحمة لوجستية معقدة مثل مواسم الحج، قوامها اكثر من 2.5 مليون انسان تحركهم وتنقلهم من مكان الي اخر دفعة واحدة وفى زمن قياسي محدد لا يتجاوز الساعات، بعقيدة واحدة وطقوس ومفاهيم وفتاوي ولغات مختلفة، كل ذلك يتم من خلال منظومة ادارية ساحرة فذة ( غير مرئية) يقع عليها عبء الدراسة والتحليل والتخطيط والتنظيم والتنسيق واخيرا التنفيذ الدقيق وفق الاحداث، وادق التفاصيل، معاييرها،الامن والامان والسلامة، والراحة وتوفير الاجواء الروحانية التي تبعث في النفس البشرية الطمأنينة والرضي، وهي تؤدي فريضة وطقوس الحج دون ان يعكر صفوها اي شئ.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة، هو كيف تعمل هذه الرحلة او المنظومة اللوجستية غير المرئية، وبنتائج مضمونة بجودة عالية وفق المعايير العالمية والموضوعة من قبل العقول السعودية التي تقوم علي ادارتها علي كل المستويات، انها ملحمة ادارية تستحق الدراسة والتمحيص في دقائق تفاصيلها التي تتحدي عوائق الزمان والمكان والامكانات التكنولوجية، هذه التحديات تتمحور في النقاط التالية،
** اهمية الموثوقية والاعتمادية والمصداقية في/ وعلى التكنولوجيا والنظم والقدرات البشرية العاملة علي خدمة الحجيج، واركز هنا،علي مصداقية او موثوقية عقول وجهود العاملين وهي تعمل وتؤدي ادوارها ورسالتها وفق المعايير الموضوعة بناءا علي عقيدة العمل الخدمي لحجاج بيت الله الحرام.
** اهمية الخدمات الحيوية في البنية التحتية،مثل السكن والماء والكهرباء والتموين الغذائي والخدمات الصحية والاستعداد الدائم لمواجهة الكوارث الامنية والطبيعية لا قدر الله. والتصرف السريع واحلال الخطط البديلة الناجزة والتي تتواءم مع الاحداث.
** التعامل الاحترافي مع التكنولوجيا وقواعد المعلومات والبيانات الرقمية والمصورة، وذلك عن طريق التحليل الدقيق لنتائج الارقام واتخاذ ردود الافعال الفورية لادارة المواقف،سواءا كانت حشودا مكدسة او متعثرة، ام كوارث طبيعية.
** تطبيق نموذج الادارة متعددة المفاهيم، يلعب دورا رئسيا في تنفيذ الخطط الموضوعة، واقصد به نموذج الشبكات الادارية، ونموذج فريق العمل الجماعي، والنموذج التكاملي، حيث هذا التعدد يسمح للعاملين ان يتنقلوا بين هذه النماذج الثلاثة بتلقائية وسلاسة وفق الزمن المتاح والمطلوب لردود الافعال والحالات.
** التواصل والحركة والانتقال السريع لفرق العمل والعاملين، حيث يجب ان تكون هذه النظم متنوعة ومؤهلة للانتقال الي مكان الحدث، والخروج منه باسرع وقت ممكن يقدر بالثواني، وهذا بالطبع يتطلب نظم اتصالات ومواصلات علي درجة عالية من السرعة والتنوع والجاهزية والاعتمادية والموثوقية لمواجهة الاحداث.
وفي النهاية، وباختصار شديد، هذه الملحمة الادارية الساحرة تتطلب تكنولوجيا متقدمة جدا تتفق مع احدث ابداعات العقول البشرية، وفكر منطلق لمواجهة التحديات، وتدريب متفوق للعاملين، واولا واخيرا التحرك السريع والقدرة علي اتخاذ القرارات.. كل ذلك رايناه يتحقق باحترافية في تنظيم وادارة موسم حج هذا العام والاعوام السابقة، لا نملك الا ان نقدم اسمى ايات التبريكات والشكر والعرفان لكل القائمين علي هذه المنظومة بقيادة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الامين، والله ولي التوفيق.