المكان ، مركز التدريب التوجيهي التابع للخطوط السعودية.
الزمان ، منتصف ستينيات القرن الماضي.
نجوم ذلك العصر ، هما الشيخ احمد صلاح جمجوم ،رئيس مجلس الادارة ، والسيد حمزة الدباغ مدير عام التدريب والتنمية ، رحمة الله عليهما.
كان هذا المركز يقع تنظيميا تحت اشراف وادارة السيد حمزة الدباغ ، وبدعم مطلق من الشيخ احمد صلاح جمجوم ، وانا كنت احد طلبة ذلك المركز ، وكان منهج الدراسة علوم الطيران التجاري بالاضافة الي مهارات سلوكية خاصة بالعمل والحياة عموما ، كنا ندرس في الصباح ،وبعد العصر نلتقي بحضور السيد حمزة وكافة اعضاء هيئة المركز ، مدرسين واداريين ، كي نمارس نشاطات رياضية وبعض العاب التسلية ،ونجري ونلهو ونلعب ونضحك ،وفي نهاية الاسبوع كان يقوم السيد حمزة بمهمة الطبخ واعداد وجبة العشاء لنا.
كنا اسرة واحدة ، لدينا انطباع ان السيد حمزة الدباغ صديقا لنا جميعا ، وفي احد الايام ذهبت الي المبني الذي يعمل فيه ، وقررت ان ازوره واسلم عليه ، وفتحت الباب ودخلت المكتب ، فنظر الي نظرة استغراب حيث قالت لي عيناه ، نعم ماذا تريد ؟! ، فقلت له جئت كي اسلم عليك ، وفاجأني بان قال لي ، هكذا دون موعد؟ ! ، وهنا اسقط في يدي واضطررت الى ترك مكتبه وخرجت ، كنت في بداية حياتي العملية لا افرق بين العلاقات الوظيفية والادارية اثناء ساعات العمل وخارج اطار اوقات الدوام.
عزيزي القارئ ، هذا ما نسميه اليوم بثقافة المنظمة او المنشأة ، ولكن تلك الثقافة تغيرت وتحولت واصبحت تشتمل علي الزمان والنشاط والمكان.
اليوم الكثير من الشركات ،مثل اوبر ومايكروسوفت وجوجل وغيرها ،تمزج ما بين جدية العمل والترفيه والتسلية ، وذلك بجعل بيئة العمل مساحات مفتوحة غنية بألالوان واشكال الفرش الهندسية الملونة والاسقف ذات المستويات المتعددة تسقط منها اضاءات اختيارية تتشكل وتتلون كي تلبي احتياجات العاملين المزاجية ، والحوائط تتزين بالصور واللوحات الفنية المبهجة ، ولا توجد مكاتب تقليدية يعمل عليها الموظفون والمدراء ، بل يمكنهم العمل جلوسا علي الارض او وقوفا او علي مقاعد وثيرة في وضع الاسترخاء.
لقد اهتمت المنظمات والشركات بالتصميم الداخلي للمكاتب واعتبرتها جزءا من ثقافة المنظمة ، بل اعتبرتها ملاعب للابداع والابتكار والانجاز ، انها ملاعب للكبار تماما مثل غرف العاب الاطفال في المنازل ، ووفرت لهم خدمات الوجبات الخفيفة والمرطبات والمشروبات . والعاب الكمبيوتر والاجهزة الرياضية وصوالين الجمال والحلاقة وقاعة لعرض الافلام ، وعيادات طبية سريعة الخدمات ، ووفرت لهم كراسي للاسترخاء والنوم ،الخ.
هذا ويمكننا الاسترسال في الافكار والاجتهادات سعيا لايجاد ثقافة متميزة خاصة بكل منظمة او شركة وفق رؤية قادتها وقناعاتهم باهمية هذا الجانب من فكر المنظمة ، ومدي تأثيره علي الابداع والابتكار والانجاز.
ارجو ان يأتي اليوم الذي تتباري فيه منشآتنا علي خلق وايجاد ثقافات وبيئات عمل مختلفة فيها من الابداع والابتكار ما يجعل الانجاز متعة وتسلية.