تونس ـ البلاد
أعلنت الرئاسة التونسية وفاة الرئيس الباجي قايد السبسي بعد ساعات من نقله إلى المستشفى العسكري بالعاصمة إثر تعرضه لـ “وعكة صحية”.
وقالت الرئاسة التونسية في بيان امس “الخميس” أنه سيتم الإعلان لاحقا عن مراسم الدفن.
وكان السبسي أدخل إلى المستشفى في مناسبتين سابقتين، على إثر أزمتين صحيتين حادتين، وكان آخر نشاط له الإثنين، باستقباله وزير الدفاع عبدالكريم الزبيدي.
ووفق الدستور التونسي فإنه في حال وفاة الرئيس أو العجز التام، تجتمع المحكمة الدستورية فورا، وتتولى إقرار الشغور النهائي، وتقوم بإبلاغ رئيس مجلس الشعب بذلك، والأخير يتولى فورا مهام الرئيس مؤقتا لأجل أدناه 45 يوما وأقصاه 90 يوما.
وجاء رحيل السبسي، في مرحلة عصيبة وأجواء من الاحتقان تخيم على المناخ السياسي مع قرب الاستعدادات للانتخابات التشريعية والرئاسية.
ولد قايد السبسي في 26 نوفمبر 1926 بضاحية سيدي بوسعيد بالعاصمة التونسية، اختار دراسة المحاماة، ويقول عنه المقربون منه إنه كان مولعا بالقانون، مقبلا على دراسته، شغوفا بالتفاصيل ومستمعا جيدا، حتى أن أصدقاءه كانوا يلجأون إليه في المدرسة والجامعة لحل مشاكلهم.
وتخرج السبسي عام 1950 في كلية الحقوق بالعاصمة الفرنسية باريس، وبعد عامين عاد إلى تونس والتحق بمكتب شهير للمحاماة.
وغداة الاستقلال، وتحديدا في 28 أبريل 1956 دعاه الحبيب بورقيبة الذي كان حينها وزيرا أولا إلى ديوانه وكلفه بمتابعة ملف الشؤون الاجتماعية، لتكون تلك بداية المناصب السياسية في مسيرته.
وفي عام 1963 عين رئيسا لإدارة الأمن التونسي خلفا لـ”إدريس قيقة”، الذي تمت إقالته حينها على خلفية محاولة انقلابية كشف عنها في ديسمبر 1962.
وبعد 3 سنوات أي في 1965 تقلد السبسي مهام كاتب دولة (برتبة وزير) للداخلية بعد وفاة الطيب المهيري، ومنها إلى وزارة الدفاع التي عين على رأسها في 7 نوفمبر 1969.
وبقي في منصبه الأخير، حتى تعيينه سفيرا لبلاده في باريس، في يونيو 1970.
ولعه بالسياسة برز منذ شبابه، حيث انخرط في الحزب الدستوري الجديد، وهو في الـ15 من عمره، متأثرا بمحيطه العائلي الذي كان مقربا جدا من حكام تونس أو “البايات” نسبة إلى اللقب الذي كان يطلق على الحاكم حينها.
وبدأت تجربته السياسية تتراكم، فجمد نشاطه في الحزب الاشتراكي الدستوري الحاكم في 1971، على خلفية تأييده لإصلاح النظام السياسي، ثم انسحب منه 1974 لينضم 4 سنوات بعد ذلك إلى حركة “الديمقراطيين الاشتراكيين” بقيادة أحمد المستيري.
وكان مسكونا بثنائية الإصلاح والانفتاح الديمقراطي، مولعا بالتغيير، مفعما بحماس جعله يتقلد أكثر من مهمة، فتولى بالتزامن مع نشاطه السياسي إدارة مجلة “ديموكراسي” المعارضة.
أما عودته إلى الحكومة، فكانت أواخر 1980، إثر تعيينه وزيرا معتمدا لدى رئيس الحكومة حينها محمد مزالي، والذي وجد فيه السبسي الرجل الميال إلى الانفتاح السياسي.
من الحكومة والمناصب الوزارية، انتقل السبسي إلى القبة التشريعية، حيث انتخب عام 1989، أي بعد الإطاحة ببورقيبة، عضوا في مجلس النواب (البرلمان)، ثم تولى رئاسته بين 1990 و1991.
وبنهاية مدته النيابية عاد إلى عشقه القديم المحاماة، وظل يمارسها حتى احتجاجات 2011، وفي خضم الفوضى السائدة خلال تلك الفترة برز السبسي كصمام أمان بوجه سقوط مؤسسات الدولة والانزلاق لأزمة حادة.
وفي الوقت الذي اعتقد فيه الجميع أن الرجل اعتزل السياسة للأبد برز إلى الواجهة من جديد، معلنا ولادة حزب “نداء تونس” الذي لم به شمل العائلة الدستورية.
وفي ضربة مفاجئة للإخوان، تصدر الحزب الوليد نتائج أول انتخابات تشريعية تفضي إلى برلمان دائم بالبلاد، جرت في أكتوبر 2014، وفاز السبسي بالانتخابات الرئاسية في خطوة أكدت أن الشعب سئم من الفوضى والاغتيالات التي اجتاحت البلاد في عهد الإخوان.