قبل أعوام أعلنت إحدى شركات الطيران العالمية عن برنامج سياحي اقتصادي تستقطب من خلاله كبار السن من المتقاعدين. وكان البرنامج عبارة عن رحلة سياحية رومنسية إلى شواطئ مدينة ميامي الأمريكية حيث الهدوء والسكينة والتنزه والمشي على الشواطئ وتناول الطعام في الحدائق العامة، وحضور حفلات الموسيقى الكلاسيكية وزيارة المناطق التراثية والتاريخية ..الخ.
إلا أن الشركة فوجئت بعدم إقبال كبار السن على هذه الفرصة السياحية .. وكعادة الغرب أخضعوا هذه الحالة للدراسة لمعرفة أسباب عزوفهم ورفضهم للبرنامج .. ؟!
وكانت المفاجأة أن كبار السن من المتقاعدين لهم رغبات واحتياجات مختلفة تماما عن مكونات برنامج الرحلة السياحية .. كانت طلباتهم وتوقعاتهم ..هو الذهاب إلى حيث الحركة والحياة والصخب والإثارة والموسيقى الصاخبة ..ومسابقات الجري وتناول الطعام في أماكن الوجبات السريعة ..وباختصار إنهم يريدون أن يعيشوا حياة الشباب مرة أخرى.
وأخيرا أدركت الشركة أنها عند تصميم البرنامج اعتمدت على آراء ومقترحات مدرائها .. وأهملت إعطاء الفرصة وسؤال كبار السن والمتقاعدين عن متطلباتهم وتوقعاتهم واحتياجاتهم .. بل ذهبوا إلى أكثر من ذلك ..وهو اتخاذ القرار نيابة عنهم .. إنه الضلال التسويقي بعينه ..!!
واليوم أرى شركات السيارات والبنوك وشركات التأمين وغيرها تتخذ قرارات حرمان هذه الفئة من كبار السن والمتقاعدين وتتجنب التعامل معهم بناءً على آراء وقرارات إدارييها ..تحسبا لمخاطر العمر والأعباء التي تترتب علي ذلك.
إنه الجهل وقصر النظر .. وضياع للفرص.
لقد دأب رجال التسويق على تقسيم البشر إلى مجموعات وفق أعمارهم بغرض الإنتاج والتسويق .. وذلك وفق قدراتهم الشرائية ونمط العيش وشغف الحياة ..الخ وأهملوا فئة كبار السن على أنهم ميتون لا محالة .. لا قدر الله .. ونسوا أن الصناعة والتجارة الموجهة لكبار السن والمهملة من قبل المنتجين والمسوقين هي فرص ضائعة. حيث هناك في الصين وحدها 357 مليون إنسان تصل أعمارهم إلى 60 عاما فما فوق.
هذا وتجدر الإشارة .. إلى أنه وبحلول عام 2020 سيصل عدد المسنين في المملكة إلى 1.5 مليون إنسان وهذه الفئة من السكان عادة ما يكون لديهم نفس الاحتياجات وأنهم أكثر ولاءً لمنتجات وعلامات تجارية بعينها. وأنها قادرة على نشر الأخبار الطيبة والدعاية ما بين معارفهم أصدقائهم عن المنتجات والخدمات بما نسبته 68% ..إهمالهم واجتنابهم يعتبر فرصة ضائعة.
إنني أدعو شركات التأمين والسيارات والبنوك وغيرها إلى إعادة النظر بجرأة في قراراتهم الإدارية والتنظيمية في التعامل مع فئة كبار السن وجعلها مستهدفة لنشاطاتهم التسويقية والبيعية.. حيث أنهم في ازدياد .. إنها فرصة ضائعة تنتظر قناصا ماهرا لصيدها.