المحليات

أنسنة المدن .. حلم يتحقق

جدة – البلاد

المدن كالبشر تنبض بالحياة والخيال، وتمنح سكانها هذا الإحساس بقدر مايمنحونها مقومات (الأنسنة) من التنظيم والبيئة النقية والمرافق الحضارية لجودة الحياة والسعادة، وفي المملكة تسعى الوزارات والجهات المعنية إلى الوصول بالمدن إلى هذه الأنسنة ، من خلال تحديد الميزة التنافسية لكل منطقة، ومواءمتها مع أهداف رؤية 2030، بتوفير مقومات الرفاهية والسعادة ، وينصهر فيها التراث الحضاري مع ألق التطور وارتقاء الحياة والعلاقات الإنسانية الإيجابية للمجتمع.

ومن هذه المقومات البنية الأساسية والإصحاح البيئي والجمال البصري والحدائق ، وزيادة المساحات الخضراء في مدن المملكة من 4 ملايين شجرة إلى 12 مليون شجرة في عام 2020, وتحقيق النمو الاقتصادي والصحي للمدن والنقل العام وغيره من المرافق لمختلف فئات المجتمع بما في ذلك الأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة.

في هذا السياق انعقد مؤخرا المؤتمر الدولي الأول لأنسنة المدن، الذي نظمته هيئة تطوير المدينة المنورة ، وافتتحه صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز أمير المنطقة ، بمشاركة 50 من الخبراء والمتخصصين من 13 دولة في العالم (السعودية والإمارات والبحرين ومصر والأردن والولايات المتحدة وكندا وهولندا والسويد وألمانيا واليونان وسنغافورة وإندونيسيا) لاستخلاص الرؤى المستقبلية نحو مدن أكثر ملاءمة للعيش بها والتعرف على الإمكانيات المتاحة لتطويرها.

وإذا أخذنا المدينة المنورة نموذجا لجهود ومقومات الأنسنة ، نجد إجماعا من خبراء العمارة والبيئة والجغرافيا والسكان على أهمية مشروع الأنسنة مع ترسيخ هوية المدن، وقد اكد الأمير فيصل بن سلمان المحافظة على الهوية العمرانية والتاريخية للمدينة المنورة والتي لاتتعارض مع كونها مدينة حديثة بمتطلبات عصرية، داعيا إلى تكاتف الجهود والتنسيق المستمر بين الجهات المعنية بالمشروعات التطويرية والتنموية، مع مراعاة ما تزخر به من إرث حضاري وعمراني ضارب في التاريخ الإسلامي ، وأقر سموه اطلاق برنامج أنسنة المدينة المنورة بتطوير المناطق العشوائية وتنسيق بيئاتها العمرانية عن طريق تحسينها وتصميمها بما يحوّلها إلى متنفسّات لأهالي المدينة والملايين من روادها الزائرين على مدار العام. ومن ضمن أهداف البرنامج أيضًا ، تعزيز الجانب الحيوي لهذه المناطق بإبراز عناصرها الجمالية والحفاظ على الهوية العمرانية، إلى جانب تسهيل التنقل للسيارات وللمشاة وتعزيز الوصول إلى مناطق الجذب والأهمية الكبرى كالمسجد النبوي الشريف.

وتعتبر أهم المبادرات التي تعزّز البُعد الإنساني وجودة الحياة ضمن هذه المناطق سواءً لساكنيها وزوارها. هذه المبادرة تساعد في تطوير عدّة مناطق مهمّة تم اختيارها بناءًا على أهميتها الشمولية والتي لها تأثيرات إيجابية تنعكس على الجوانب المجتمعية، والاقتصادية، والجمالية ، وتضمن التطوير مواقع كثيرة منها منطقة وطريق قباء كمنفذ رئيسي إلى الحرم النبوي الشريف ، وتنشيط السوق القديم ، وتوفير فرص استثمارية ،

وكذلك حي سيد الشهداء الذي يطل ويحتوي على معالم تاريخية نبويّة وإسلامية ثمينة، كانت ومازالت وجهة سياحية أساسية للزوار وأجزاء من وادي العقيق بأهميته الطبيعية والتاريخية ، وتحقيق الحي المطور النموذجي، والعمل على تعزيز علاقة الإنسان بالمكان، وفي هذا قامت هيئة تطوير المدينة بتنظيم محاضرات تثقيفية ومجانيّة، قدّمها مخصصون في العمارة والتخطيط العمراني، وأيضا كما أشار الباحث عبدالله كابر بأنّ مفهوم الأنسنة في التراث العمراني يطال القيم الروحية من خلال التفاعل بين الإنسان والتطور العمراني وهويته ، وهذا النوع من المبادرات يُعدّ من المؤشرات الحضارية التي تعكس صورةً تحترم التراث وتستلهم منه دون الحد من الحداثة، والتي بدورها تعزز هوية المدينة وسكّانها والترابط بين أطراف المجتمع، وبين الإنسان والمكان، وهذا العنوان الأهم لنجاح أنسنة المدن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *