بعد إجازة طويلة، دامت أحد عشر شهراً، بدأ يتأهب لاستلام مهامه التي اعتاد أن يقوم بها كل عام في نفس التوقيت، ليوقظ النائم ويذكّر المشغول بأن موعد السحور على وصول، يعتني بطبلته الصغيرة بعد أن وضعها في صندوقها ليلة العيد في العام الماضي، يمسح ما علق بها من أتربة، ويتأكد أن خيوط الزينة الملونة التي تلتف حولها لتجمّلها على حالها،
ثم يبحث في خبايا الصندوق عن قطعة الخشب التي يضرب بها على طبلته، يتأكد من أن هندامه الذي تعوّد على ارتدائه صالحاً لهذا العام، أو أنه يحتاج إلى واحد جديد، يبقى على انتظار منذ وقت الغروب في يوم التاسع والعشرين من شعبان، فلعل شهر شعبان في هذا العام ليس مكتملا، فهو حريص على أن يكون مستعدا في كل الظروف، كما أنه يقدّر ما عليه من مسؤولية، ويعلم أن البعض قد ناموا، وهم مطمئنين، أنه سيقوم بدوره، ولن يتغيب، وبالتالي لن يفوتهم السحور.
تأتي اللحظات التي تسبق خروجه، يتوكل على الحي القدوس.. وينزل بين الأزقة وقد رسمت على شفاهه ابتسامة الفرح بقدوم الضيف العزيز، يبدأ في الضرب على طبلته في نغمة يعرفها القاصي والداني، فيتسارع الصغار ملتفين حوله، وقد خرجوا من المنازل ليصحبوه في مسيرته إلى أن يفرغ من في المنزل في تجهيز المائدة، وتفتح بعض الرواشين في خفية، ليظهر منها همهمات نسائية أو على مصراعيها وقد تعالت مباركات الجيران، يرفع رأسه نحوهم وهو يشعر بالفخر والتقدير متيقناً أنهم كانوا في انتظاره فيردد بجميل الصوت:
“اصحى يا نايم وحّد الدايم
وقول نويت بكره إن حييت
الشهر صايم والفجر قايم
اصحى يا نايم وحّد الرزاق
رمضان كريم
مســحـراتى
مـنـقـراتى
أرتـاح دقيـقة من لفـتي
وارفع ايدىّ
وتقوم عينىّ
وقـلبى يـعـلا وشـفتى
يا حى باقى
اسمع دعائى
واغفر لى ضـعفى وخفتى
يا رب عطفك
أنا لولا لطفك
ايدى ما تـملكـشـى دفتى
اهدينى رحمة
ودنيا رحبة
يــا رب بـارك فى خلفتى
والمشى طاب لى
والدق على طبلى
ناس كانوا قبلى
قالوا فى الأمثال:
“الرجل تدب مطرح ماتحب”
وأنا صنعتى مســحـراتى فى البلد جوال”
لا يتوقف ذلك اللحن الجميل إلا مع صوت مدفع السحور معلناً عن وقته، ليعود المسحراتي أدراجه إلى بيته بعد أن أكمل دورته على كل البيوت وأدخل السعادة في قلوب المشتاقين لتلك النسمات، تستقبله أسرته على السحور فهو أيضاً أحد المشتاقين.
رمضاااااان كررررريم.
للتواصل على تويتر وفيس بوك
eman yahya bajunaid