لا يمكن لدولة ما أن تُفضل الخيار الخاسر، على الخيار الرابح، لا يمكن لها الخروج عن محيطها الذي تجتمع معه في عوامل اللغة والأرض والعرق، لترتمي في محيط يختلف معها جذرياً في هذه العوامل المهمة لاستقرارها، لا يمكن لها أن تنمو وتزدهر في ظل محيط يكره ما هي عليه، التداخل الذي يحفظ الحقوق هو أفضل من الابتعاد الذي يُغيّبها.
قطر كأي دولة، لا تستطيع العيش في محيط ينبذ تغريدها السلبي خارج السرب الطبيعي، محيط قطع كل علاقاته معها، محيط تعيش خلافاً حاداً معه، يمكنها أن تصمد، لشهر، لعام، لاثنين، لثلاثة، مع الأخذ بالكلفة المهولة لكل يوم إضافي يمرّ عليها وهي في ذات الحالة، لكن للصمود نهاية، حينما يتآكل رصيدها، وتتضاخم مشاكلها، وتتصادم رغبات حكامها مع رغبات الشعب الراغب في عودة الحال لسابق عهده.
خسرت قطر الكثير بابتعادها عن بيتها الخليجي والعربي، ورغم كل ما حصل ويحصل، يمكن القول أنها لا زالت في خطوات الابتعاد، لم تصل بعد إلى حالة الانسلاخ من محيطها. يمكنها العودة، فلا زالت هذه الطريق سالكة، الابتعاد أكثر يُصعِب من هذا مستقبلاً، وقد تجد نفسها في موضع ستُدرك لاحقاً فداحته، على هويتها، ومجتمعها، وعروبتها، وربما حتى على كيانها كدولة.
الحمل ثقيل، أثقل من أن تصمد أمامه دون خسائر تُثقل من كاهلها المُثخن بالخسائر، والإصرار على المُضي يكبدها أكثر، فهي تخسر الكثير مع كل يوم تشرق شمسه، وتدفع مالاً وفيراً مقابل الإستماتة في الطريق الخطأ التي لا طائل من السير فيها، ولا جدوى من استمرارها، وطالما أن الأيام تمرّ مع رصيد مالي يتآكل، وتأييد داخلي يتضاءل، فهذه إشارة واضحة على أنها تمضي في طريق خاسرة، علّها تلتقطها وتفطن لهذا الخطأ.
الخروج عن الإجماع العربي خسارة، والهرولة بعيداً عن هذا الصفّ يضرها، ولا يضر من خرجت عنه، هي وحدها المستفيد من عودتها للبيت العربي، وهي وحدها ستخسر حال مفارقته، فهل من عودة يا قطر؟.