الدولية

البشير .. من القصر إلى الحبس

جدة ــ البلاد

بعد احتجاجات متصاعدة استمرت نحو 4 أشهر جراء أوضاع اقتصادية وسياسية متدهورة، انتهت القوات المسلحة السودانية مسيرة ثلاثة عقود من حكم الرئيس عمر البشير، وأطاح الجيش السوداني، بالبشير، الذي حكم السودان منذ عام 1989 عبر انقلاب عسكري على الحكومة التي كان يتزعمها آنذاك رئيس الوزراء الصادق المهدي.

وتولى البشير آنذاك منصب رئيس مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني، وكذلك منصب رئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية السودانية معا بالتحالف مع زعيم ما تعرف بـ”الحركة الإسلامية” النسخة السودانية من تنظيم الإخوان المسلمين الدولي حسن الترابي.
ورغم بداية جيدة اقتصاديا وسياسيا، فإن غالبية فترات حكم البشير شهدت اضطرابات ومعارك مختلفة داخليا وخارجيا حتى انتهت بلفظه وسط مطالبات بحكومة انتقالية مدنية تخلو من الإسلاميين والجيش.

فالبشير من مواليد عام 1944تخرج افي الكلية الحربية السودانية عام 1967 ثم نال ماجستير العلوم العسكرية بكلية القادة والأركان عام 1981، ثم ماجستير العلوم العسكرية من ماليزيا في عام 1983، وزمالة أكاديمية السودان للعلوم الإدارية عام 1987.
وعمل بالقيادة الغربية من عام 1967 حتى 1969، ثم القوات المحمولة جوا من 1969 إلى 1987، إلى أن عُين قائدا للواء الثامن مشاة خلال الفترة من 1987 إلى 30 يونيو 1989 قبل أن يقوم بانقلاب عسكري على حكومة الصادق المهدي بإيعاز من الجبهة القومية الإسلامية ورئيسها حسن الترابي.

وليس للبشير أولاد رغم زواجه من اثنتين، وكان زواجه الثاني من أرملة إبراهيم شمس الدين، الذي كان يعد “بطلا حربيا في الشمال”.ودائما ما اتهم البشير ودائرته المقربة دول الغرب بمحاولة الإطاحة به عبر دعم حركات التمرد، وقرارات مجلس الأمن في الأمم المتحدة، والتهم التي وجهتها المحكمة الجنائية الدولية.

وعلى مدار 30 عاما في الحكم، تعرض البشير لمحاولات انقلاب عديدة أبرزها “حركة رمضان” عام 1990 بقيادة الفريق خالد الزين نمر، واللواء الركن عثمان إدريس التي باءت بالفشل وألقي القبض على 28 ضابطا، وتم إعدامهم في محاكمات عسكرية في العشر الأواخر من رمضان.

وفي أواخر عام 1999، أمر البشير بحل البرلمان السوداني بعد خلاف مع الترابي، حيث أصبح بعدها زعيم الحركة الإسلامية من أبرز معارضي حكم الرئيس السوداني بل شكل حزب المؤتمر الشعبي المعارض في السودان وتعرض للاعتقال عدة مرات.
وفي 2005، وقع البشير مع زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان المتمردة بقيادة الراحل جون قرنق على اتفاقية نيفاشا لإنهاء الحرب الأهلية السودانية الثانية في جنوب السودان والتي تُعَد أطول حرب أهلية في أفريقيا.

وكان من ضمن بنودها حق تقرير المصير الذي أسفر لاحقا عن اختيار الجنوب الانفصال عن السودان.
وضاق الخناق أكثر على البشير عندما لاحقته المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي 2009 بعدة تهم بينها ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور المضطرب، غربي البلاد، إضافة إلى اتهامه بـ”الإبادة الجماعية” في 2010.

وهي اتهامات استنكرها مرارا البشير وأعلن عدم اعترافه بها بل اعتبرها أداة “استعمارية” موجهة ضد بلاده بصفة خاصة والقارة السمراء بشكل عام.
ورغم قرار المحكمة؛ فإن البشير كان يجري زيارات رسمية إلى البلدان العربية والأفريقية.

وعلى مدار سنوات حكم البشير شهدت العلاقات بين الخرطوم وواشنطن تباينا شديدا؛ حيث أدرجت أمريكا السودان في عام 1997 على قائمة الدول الراعية للإرهاب ردا على استضافته مؤسس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في 1991، قبل أن تبعده الخرطوم عام 1996، تحت وطأة ضغوط أمريكية.

كما فرضت عليه في العام ذاته عقوبات مالية وتجارية أبقت اقتصاده هشا وعزلته عن السوق العالمي.
وبلغ العداء بين البلدين ذروته عندما قصف سلاح الجو الأمريكي في 1998 مصنعا بدعوى تصنيعه أسلحة كيميائية فيما قالت الخرطوم إنه مصنع لتصنيع الأدوية.

وفي مطلع 2017 وبعد نحو 20 عاما، رفعت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما جزئيا العقوبات التجارية والاقتصادية، غير أنها أبقت على العقوبات المفروضة على الخرطوم باعتبار أنها مدرجة في قوائم الدول الراعية للإرهاب.وفي بدايات حكم البشير، شهد السودان انتعاشا اقتصاديا، قبل أن يسوء جراء العديد من العوامل بينها العقوبات الأمريكية والاضطرابات الأمنية في دارفور والعديد من الولايات ومن ثم انفصال الجنوب الغني بالنفط؛ حيث إن ثلاثة أرباع الإنتاج النفطي يوميا كان يأتي من الجنوب.

وفي سبتمبر 2013، قررت الحكومة السودانية رفع أسعار المحروقات والمواد التموينية؛ قابلتها احتجاجات شعبية واسعة خلّفت عشرات القتلى والجرحى.
وأعلن البشير وقتها عدم رغبته في الترشح لمنصب الرئاسة في انتخابات عام 2015 لكنه لم يفِ بوعده وواصل حكم البلاد.
كما دعا في 2014 إلى مبادرة “حوار وطني” أنهت أعمالها في 2016 بتوقيع وثيقة وطنية شملت توصيات بتعديلات دستورية وإصلاحات سياسية، غير أن فصائل معارضة بشقيها المدني والمسلح قاطعتها.

ومطلع ديسمبر الماضي، شرع البرلمان السوداني في العمل على تعديلات خاصة بالدستور الانتقالي تعطي البشير حق الترشح لدورات رئاسية مفتوحة بدلا من قصرها على دورتين تنتهي بحلول 2020.
وفي يوم 19 من الشهر ذاته، خرج السودانيون في مظاهرات ضد الحكومة مطالبين بإسقاط البشير وتشكيل حكومة انتقالية.وشهدت الاحتجاجات أعمال عنف أسفرت عن سقوط 32 قتيلا وفق إحصائيات حكومية، فيما قالت منظمة حقوقية إن عددهم فاق 50 قتيلا.

وفي 6 أبريل الجاري، نقل السودانيون احتجاجاتهم من الميادين المختلفة في البلاد إلى الاتجاه نحو مقر القيادة العامة للجيش في الخرطوم والدخول في اعتصام مفتوح حتى رحيل النظام.

ومع تزايد أعداد المحتجين، حاولت الشرطة فض الاعتصام بالقوة الجبرية بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع بكثافة وأحيانا بهجمات فجرا خلفت نحو 11 قتيلا وعشرات الإصابات. وتصدى الجيش لمحاولات الشرطة فض الاعتصام، كما أعلن بعض الضباط انحيازهم للمحتجين بالإضافة إلى إعلان وزير الإنتاج والموارد الاقتصادية في شمال دارفور، عادل محجوب، استقالته من حكومة الولاية وانحيازه الكامل للمحتجين، مطالبا البشير بالتنحي الفوري في خطوات مجتمعة مثلت بداية النهاية لأطول مدة حكم في البلاد.

قبل أن يعلن الجيش السوداني، في بيان متلفز، اعتقال البشير وعزله وتشكيل مجلس عسكري انتقالي وفرض حالة الطوارئ بالبلاد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *