الدولية

بوتفليقة.. مسيرة 20 عاما في الرئاسة تنتهي باستقالة مثيرة

الجزائر ــ وكالات

خرج الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة عن صمته واضعاً في الوقت ذاته حدا لمسيرة حكمه الذي استمر 20 عاما، بقوله “أنهيت ولايتي الرئاسية للإسهام في تهدئة نفوس الشعب وتجنب الانزلاقات الوخيمة وضمان حماية الأشخاص والممتلكات”.
واعترف بوتفليقة، الذي يعد أطول رؤساء الجزائر حكما والرئيس الثامن منذ الاستقلال، في كلماته الأخيرة بأن طموح الشعب الجزائري “مشروع”، وأن “القرار يعود للشعب الجزائري لتحديد مصير البلاد في مرحلة ما بعد بوتفليقة”.

فبوتفليقة، الذي كان يتطلع لولاية خامسة وأنهى حياته السياسية بالاستقالة، انتخب لأول مرة رئيسا في الانتخابات الرئاسية المبكرة، التي دعا إليها الرئيس السابق اليامين زروال عام 1999، في الوقت الذي كانت تعاني البلاد من نيران الجماعات الإرهابية.
ودخل بوتفليقة إلى الحكم من أوسع أبوابه “مرشح إجماع” وخرج ” بإجماع الشعب والجيش”، غير أن المتابعين لحقيقة الوضع في الجزائر يقولون “إن شقيقه هو سبب خروجه بهذا الشكل”.

ويعرف عن بوتفليقة بحسب مقربين منه، أنه “كان يحلم بتدشين المسجد الأعظم الذي أنجز في عهدته والذي يعد ثالث أكبر مسجد في العالم، وأن تقام له جنازة رسمية وشعبية لا تقل عن جنازة ملهمه ورفيق دربه الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين”.

واستطاع بوتفليقة (81 عاما) منذ ولايته الأولى إرساء السلام والاستقرار بعدما أنقذ البلاد من الجماعات الإرهابية، وأجبر نحو 15 ألف إرهابي على تسليم أسلحتهم للسلطات بدءاً من 1999، ما جعل الجزائريون يلقبونه بـ”صانع السلام”. فمنذ 1992، عانت الجزائر من الجماعات الإرهابية بعد قرار السلطات إلغاء الانتخابات التشريعية، حيث تدخل الجيش للسيطرة على البلاد، وحظر “الجبهة الإسلامية للإنقاذ” وخاض ضدها حربا ضروسا بعد أن انتهجت الإرهاب لفرض واقع سياسي بعينه وشن الموالون لها هجمات وعمليات إرهابية واسعة ضد الحكومة ومؤيديها عمت مدن وقرى الجزائر، حتى أنها قامت بإنشاء جماعات إرهابية مسلحة اتخذت من الجبال قاعدة لها.

فالجماعات الإرهابية بدأت بسلسلة مذابح استهدفت خلالها أحياء وقرى بأكملها وصلت ذروتها في عام 1997، ووصلت أعداد الضحايا إلى قرابة 200 ألف شخص، قبل التوجه إلى الانتخابات وفوز الطرف المؤيد للجيش بأغلبية البرلمان. وانتهج بوتفليقة خلال ولايته الأولى عقب انتخابه عام 1999 سياسة جديدة تجاه الإرهاب توجها إصدار قانون العفو، حيث بدأت الجماعات المسلحة تنحل وتختفي جزئيا بحلول عام 2002 حتى توقفت الهجمات الإرهابية بشكل شبه كامل، باستثناء مجموعة إرهابية تطلق على نفسها “الجماعة السلفية للدعوة والقتال” والتي انضمت لاحقاً إلى تنظيم القاعدة في أكتوبر 2003. وكان “بوتف”،

كما يحلو للجزائريين تسميته، يتطلع للولاية الخامسة، حيث يملك رقما قياسيا في الحكم، إذ انتخب أول مرة رئيسا في أبريل 1999 التي خاضها وحيدا بعد انسحاب 6 منافسين، وأعيد انتخابه في 2004 بحصوله على 85% من الأصوات و90% من الأصوات في انتخابات 2009، بعد إلغاء حد الولايات الرئاسية باثنتين من الدستور، ليعاد انتخابه في 2014 بـ81.3% من الأصوات.

إلى جانب إرساء السلام، استطاع بوتفليقة تجنيب الجزائر الاضطرابات السياسية التي عرفت بـ”ثورات الربيع العربي”، والتي وقعت في دول مجاورة رغم الظروف الاقتصادية التي تعاني منها البلاد.

ورغم انتخابه لـ4 ولايات، إلى جانب مرضه وابتعاده عن المشهد السياسي لا يزال بوتفليقة يحظى بشعبية كبيرة لدى الكثير من الجزائريين. وكانت أحزاب التحالف الرئاسي بقيادة حزب جبهة التحرير الوطني نظمت منذ أيام مهرجانا انتخابيا، أعلن خلاله ترشيح بوتفليقة لولاية خامسة.

وقدر عدد الحاضرين في المهرجان من قيادات من الحزب وأعضائه بأكثر من 15 ألفا، قدموا واستقدموا من كل مناطق البلاد من أجل ملء مدرجات القاعة البيضوية بالعاصمة.
وكلف بوتفليقة رئيس وزرائه الأسبق عبدالمالك سلال لإدارة حملته الانتخابية، وهي الشخصية ذاتها التي قادت الحملة الانتخابية للمرشح بوتفليقة في رئاسيات 2014.

وأصيب بوتفليقة في أبريل 2013، بجلطة دماغية، نقل على إثرها إلى مستشفى “فال دو جراس” العسكري في العاصمة الفرنسية باريس، وبقي فيه 88 يوماً.

ومنذ ذلك الوقت، بات ظهور الرئيس الجزائري نادراً واقتصر على استقبال قادة الدول وبعض المسؤولين الأجانب بقصر الجمهورية “المرادية” أو اجتماعات لمجلس الوزراء، وتابع بوتفليقة رحلة علاجه من خلال “فحوصات طبية روتينية” عبر محطات عدة، كما ذكرت بيانات للرئاسة الجزائرية، آخرها في 27 أغسطس 2018، حينما نقل إلى جنيف للعلاج

وفي الأول من ديسمبر أعلنت الرئاسة الجزائرية عودة بوتفليقة إلى البلاد، وأن الفحوصات التي أجراها “أثبتت أنه في صحة جيدة وعافية”.
ورغم ضعف صحته، عزز بوتفليقة سلطته وحل في بداية 2016 إدارة الاستخبارات والأمن النافذة بعد أن أقال رئيسها الجنرال الشهير محمد مدين المكنى توفيق.

لكن ولايته الرابعة جرت وسط تراجع كبير لأسعار النفط، الأمر الذي أثر كثيرا على الاقتصاد الجزائري المرتهن لعائدات المحروقات. وفي نوفمبر 2018 وجه بوتفليقة، رسالة إلى الجزائريين بمناسبة انعقاد اجتماع للولاة مع أعضاء الحكومة بالعاصمة.
وذكر بوتفليقة بأن فترة حكمه للبلاد منذ العام 1999 شهدت عدة إنجازات رغم الوضع الصعب في تلك المرحلة.

قال بوتفليقة في رسالته: “العقدين المنصرمين من حياة أمتنا لم يكونا هينين، ولقد كان للعديد منكم شرف مرافقتي في هذه المسيرة في مختلف مستويات المسؤولية وأبليتم البلاء الحسن وقمتم بتضحيات وإنجازات عظام”.
وأكد بوتفليقة أن “ما أنجزناه معا على الصعيدين الأمني والتنموي بفضل التضحيات الجسام التي قدمها هؤلاء وأولئك بات محلا لإعجاب الشعوب الشقيقة والصديقة يرون فيه مثالا لتنمية اجتماعية شاملة، أعادت الاعتبار للإنسان بوضعه في قلب المقاربة التنموية”.

وأوضح أنه “على الصعيد الأمني أضحت المصالحة الوطنية والعيش معا بسلام عنوانين رئيسين لمقاربة استراتيجية دولية لمحاربة الراديكالية والتطرف في العالم”. وحذر الرئيس الجزائري حينها مما سماها “مناورات” مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة المقررة في أبريل المقبل، قائلا: “ما نلاحظه من مناورات مع اقتراب كل محطة حاسمة من مسيرة الشعب الجزائري إلا دليل واضح يفضح هذه النوايا المبيتة التي سرعان ما تختفي بعد أن يخيب الشعب الأبي سعيها”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *