أنقرة ــ وكالات
مني حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا برئاسة أردوغان بهزيمة مدوية في العديد من المدن الكبرى منها العاصمة أنقرة وأنطاليا وأضنة ومارسين، وجاءت الانتخابات المحلية التي انتهت امس الأول، بنتائج صادمة لحزب أردوغان، لا سيما في المدن الكبرى التي ذهبت أغلبية بلدياتها لمرشحي تحالف “الأمة” المعارض المكون من حزبي الشعب الجمهوري، و”الخير”.
والصفعة الأكبر تلقاها حزب أردوغان في العاصمة أنقرة التي فاز ببلديتها وفق نتائج أولية غير رسمية، منصور يافاش، مرشح تحالف “الأمة” بفارق يقدر بنحو 3 نقاط على مرشح تحالف “الجمهور” القائم بين العدالة والتنمية، والحركة القومية.
وإلى جانب العاصمة أنقرة، وبحسب النتائج ذاتها، فاز تحالف المعارضة كذلك بالبلديات الكبرى في مدن إزمير، وأنطاليا، وأضنه، وجميعها مدن لها ثقلها على الساحة السياسية التركية.
أما في إسطنبول فقد أعلن مرشح الحزب الحاكم، رئيس الوزراء السابق، بن علي يلدريم، فوزه بالانتخابات حتى قبل انتهاء الفرز، في حين خرج أردوغان ليعلن خسارة حزبه في إسطنبول أيضا لصالح مرشح تحالف المعارضة أكرم إمام أوغلو الذي أعرب عن استنكاره لاستباق يلديم انتهاء فرز الأصوات وإعلان فوزه.
هذه النتائج لم تكن مستغربة لمعظم الأتراك باستثناء العدالة والتنمية وأتباعه، إذ إنها لم تأتِ بجديد عن استطلاعات الرأي التي جرت خلال الفترة التي سبقت الانتخابات، والتي أكدت في معظمها أن الناخبين الأتراك يتجهون لتلقين الحزب الحاكم درسًا لا سيما في المدن الكبرى، وبالفعل تحقق الأمر.
ومع توالي استطلاعات الرأي في فترة ما قبل إجراء الانتخابات، سرعان ما تحدث عدد من الكتاب الأتراك عن سيناريوهات هذه الانتخابات، وما سيحدث لو خسر الحزب الحاكم معقله بالعاصمة السياسية للبلاد، أنقرة، والعاصمة الاقتصادية إسطنبول.
ومن بين من تحدثوا عن هذه السيناريوهات، الكاتب والصحفي التركي مراد يتكين، الذي اعتبر في تصريحات لصحيفة “يني جاغ” المعارضة، أن خسارة الحزب الحاكم لبلدية أنقرة هو “سيناريو القيامة الصغرى” بالنسبة للحزب.
وعن سبب هذه التسمية، قال يتكين: “لأن هذه الخسارة ستفتح الطريق لفتح ملفات الفساد القديمة في البلديات.
وتابع قائلا: “وهذه الملفات لا يمكن فقدها على الإطلاق، قد تغيب لبعض الوقت لكنها حتما موجودة في مكان ما وسيتم فتحها للكشف عن حجم الفساد الذي شهدته العاصمة”.
واستطرد قائلا: “وإلى جانب ذلك أيضًا فخسارة أنقرة تعتبر ضربة قوية للحزب الحاكم، نظرًا لأن المدينة هي العاصمة السياسية للبلاد، وهي أقوى من إسطنبول وإن كانت الأخيرة هير مركز الثقافة والمال”.
وأضاف: “فالسياسة في أنقرة، ورئاسة الجمهورية، والبرلمان، ووزارة الخارجية، وهيئة الأركان العامة، والمصرف المركزي، والسفارات كلها بأنقرة”.
وأظهرت النتائج الأولية لفرز الأصوات في الانتخابات المحلية التركية، حصد حزب الشعب الجمهوري المعارض لمقاعد رئاسة 11 بلدية، بينها 4 بلديات في مدن رئيسية منها أنقرة وإسطنبول.
وخسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات المحلية بمدينة أنطاليا، حيث حصل مرشح التحالف المعارض محيي الدين بوجَك على 50.71% مقابل 46.6% لمندريس تورَل مرشح تحالف أردوغان.
وفي إزمير حصل مصطفى تونتش سوير، مرشح تحالف المعارضة على 58.04% مقابل 38.50% لمرشح تحالف النظام، نهاد زيبكجي وزير الاقتصاد السابق.
وأوضح أنه “إذا كانت إسطنبول تمتلك اقتصاد دولة أوروبية متوسطة الكثافة السكانية بـ15 مليون نسمة، فإن أنقرة تمتلك هي الأخرى اقتصاد دولة أوروبية صغيرة الكثافة السكانية بـ5 ملايين نسمة.. ومن المهم لمن ستؤول السيطرة على هذا الاقتصاد؟”.
وتمثل المدن الكبرى في تركيا ثقلا جغرافيا وديمغرافيا هائلا، وهو ما يجعلها دوما الهدف الأول في أي سباق سياسي، بحيث يستطيع من يفوز بمفاتيحها أن يبني لنفسه زخما سياسيا كبيرا، بينما تشكل خسارتها نهاية غير سعيدة.
وتمثل خسارة العاصمة صفعة من العيار الثقيل للحزب الحاكم فرمزية المدينة سياسيا تجعلها الأهم على الأطلاق في كل الاستحقاقات الانتخابية.
ولا يمكن تصور المدينة التي يتركز فيها النشاط السياسي والدبلوماسي ورمز تركيا الحديثة، وهي خارجة عن سيطرة الحزب الحاكم، مما يشير إلى تراجع كبير في معقله.
وتتوسط أنقرة البلاد إقليم الأناضول، وقد جعلها مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك عاصمة للبلاد منذ عام 1932، وهي أكبر مدينة من حيث عدد السكان بعد إسطنبول بتعداد بلغ 5 ملايين و400 ألف نسمة وفق إحصاء عام 2017.
وتتميز المدينة بخليط ديمغرافي متنوع، فهي وجهة أساسية للباحثين عن العمل من المدن التركية الأخرى خاصة في الدوائر الحكومية.
وإضافة إلى الوزارات والسفارات، تضم أنقرة القصر الرئاسي “شان قايا” الذي كان مقر 11 رئيسا منذ عهد أتاتورك، بالإضافة إلى القصر الأبيض الذي بناه أردوغان عام 2014 ، ليصبح بمثابة رمز النظام الرئاسي الجديد.
هذا فيما تمثل إسطنبول الرئة الاقتصادية وأكبر مدينة من حيث عدد السكان، بتعداد يصل إلى أكثر من 15 مليون نسمة.
وينظر إلى إسطنبول على أنها مركز تركيا الثقافي والاقتصادي والمالي، ورمزها الحضاري، وهي الجسر الذي يربط آسيا مع أوروبا.
وتعد خسارة الحزب الحاكم في هذه المدينة، في حال أعلنت بشكل رسمي، أكبر علامة على تراجعه شعبيا بعدما اعتبرها المعقل الطبيعي له على مدار نحو ربع قرن.
وكانت إسطنبول المحطة الرئيسية التي فتحت الباب لأردوغان للصعود بسرعة الصاروخ بعدما فاز في الانتخابات البلدية عام 1994 وتولى رئاستها حتى 1998.
ويعني ذلك أن المدينة “صانعة الحكام” قد تقلب الموازين في الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة.
فيما تعد إزمير التي لقي فيها الحزب الحاكم هزيمة كبيرة لصالح حزب الشعب الجمهوري، المدينة الثالثة الأكثر اكتظاظا بالسكان في تركيا بعد إسطنبول وأنقرة، وهي ميناء التصدير الرئيسي والمدينة الصناعية الثانية بعد إسطنبول.
وتعد إزمير معقل حزب الشعب الجمهوري، والمدينة المتمردة دائما على حزب العدالة والتنمية، علما أن عدد سكانها يبلغ عدد سكانها يبلغ نحو مليوني و800 ألف نسمة.
وتمتلك المدينة العديد من مناطق الجذب السياحي والترفيهي، إضافة إلى الشواطئ والمراكز الثقافية المختلفة.
في غضون ذلك فقدت الليرة التركية 1.5 في المائة من قيمتها امس “الاثنين”، عقب ظهور النتائج الأولية للانتخابات المحلية،
وسجلت الليرة 5.62 مقابل العملة الأميركية، بعد أن ضعفت أكثر إلى 5.63، مقارنة مع إغلاق الجمعة البالغ 5.5550.
وتأرجت العملة بشدة وشهدت الأسهم والسندات التركية عمليات بيع على مدى الأسبوع السابق على الانتخابات البلدية.
وكانت البيانات الصادرة امس الأول أظهرت أن احتياطي البنك المركزي التركي من العملات الأجنبية انخفض بمقدار الثلث الشهر الماضي، فيما وصفت وكالة موديز، تآكل احتياطيات العملات الأجنبية بالأمر”السلبي على الائتمان”.
وقالت موديز “تجدد الاضطرابات في الأسواق المالية التركية وزيادة الشكوك فيما يتعلق بالأوضاع السياسية على الركود المستمر يزيد من خطر هروب رؤوس الأموال”.
وكان أردوغان قد اقر بخسارة حزبه لرئاسة بلدية إسطنبول، مضيفا أن أغلبية الأحياء في إسطنبول كانت لحزبه ، وتابع :لكن يبدو أننا خسرنا انتخابات رئاسة بلدية إسطنبول.