رأيتهم.. نعم رأيتهم، يتدثرون ببعضهم، يختبئون خلف أعمدة المبنى، وبعضهم كان يزحف باحثاً عن ملجأ يحميه من باقي الرصاص، فقد أصيب بطلقة لكنها لم تقتله، أو لعلها فعلت، وهناك آخر لم يدرك ماذا حصل قبل أن تفارق روحه المكان، حاولت كثيراً أن أشيح بناظري، تمنيت لو لم ألتفت لإشارة التنبيه على جوالي، تمنيت لو أنني قاومت فضولي، لكنني لم أفعل..
بل شاهدت وشاهدت وكررت المشهد مرات عدة، كنت أنتظر أن ينتهي بكلمة (انتهت اللعبة حاول مرة أخرى)، لكنه لم يحدث، لم أقبل أن يكون ما آراه حقيقة، أنكرت الحديث حولي وأنا أردد ” ليس سوى مشهد تمثيلي”، وبقيت في صدمتي، أنظر أمامي ثم أتابع الحديث حولي..
استنكار ورفض وعدم تصديق وكثير من الدموع، إلى أن شعرت بالسكون لا صوت لا مشاهد لا شيء، سوى البياض أمام عيني.
وفجأة.. صوت صلاة ونساء تقف أمامي، ومعهن بعض الأطفال، ملامحهن تختلف عني، أنا لست في بلدي.. أين أنا..؟ أفقت من تيهي، ثم سمعت من خلف الجدار صوت طلقات رصاص سريعة ومتتابعة، ولغة لا أفهمها تتردد في أذني، وصوت صراخ وبكاء.
ماذا حدث..؟
هل كنت هناك..؟ ماذا لوكنت هناك..؟
ماذا لوكنتَ أنت هناك..؟
أبي.. أخي.. زوجي.. ابني..!
لا لست هناك وأنا في حلم.. بل كابوس، سأفيق منه وأستعيذ من الشيطان، ثم نجتمع في غرفة الجلوس..
لا لست هناك فأنا منعتك من الرحيل، وأبقيت عليك بجانبي، ماذا لو تركتك ترحل..؟ هل رأيت كنتُ أنا على صواب.. لا ترحل، لا يهم أن تتعلم، لا تبرح مكانك قربي، سأحميك صدقني ساحميك.
لو كنت هناك ربما كنت أصبحت من بينهم.. ماذا سيحل بي..؟ سأموت، سأفقد صوابي، وسأفقدك، ابقى بقربي سأحميك.
كيف سأحميك..؟ لا أقدر أن أمنع عنك الآلام، أو أن أمنعك من الخروج من الحياة من العيش كإنسان، لن أجعلك تصلي في البيت كالنسوان.
ساستودعك الرحمن.. نعم سأستودعك الرحمن، وأودع لحظات خروجك، سأحفظ كل ملامح وجهك، سأردد في قلبي وبلساني آيات القرآن، وأطلب من ربي أن لا يفجعني فيك، وأن تبقى دوماً بسلام..
لا تعجب يا ولدي فأنا قلب أم وقلب الأم يشعر بشعور واحد مهما اختلفت الألسن والألوان
( إهداء لأمهات ضحايا مسجد النور بنيوزلندا)
للتواصل على تويتر وفيس بوك
eman yahya bajunaid