سياسة مقالات الكتاب

جولات لشراكات استراتيجية تضيء آفاق المستقبل وتحقق التنمية والاستقرار

كتب : رئيس التحرير

منذ فجر تأسيس المملكة العربية السعودية على يد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن انتهجت المملكة نهجا معتدلا واضحا حكيما فيما يتعلق بالتوازنات في العلاقات واعتمدت على رؤى استشرافية ذات ابعاد تصب في المجمل بتحقيق الاستقرار والنمو والازدهار، ولهذا تدرجت المملكة في تحقيق النهضة الشاملة وفقا لخطط استراتيجية متزنة تعتمد على الافعال قبل الاقوال لنلمس تطورا متدرجا في كافة مجالات الحياة حتى بلغنا ذروة الاستفادة من التقنية قياسا لشعوب الارض قاطبة وشاركنا في صناعة الاستقرار بمنطقة تموج سخونة فلم نلحظ ما يعيق حياة الناس رغم مرورنا بمنعطفات هامة وأزمات خانقة بفعل احداث متعاقبة شهدتها المنطقة واستهدافات متتالية عبر مؤامرات ودسائس يقودها ناقمون حسدة ضامرو الشر للأمة العربية وعاملون على تفتيت الشعوب العربية فتكسرت احلامهم على صخرة الوعي السعودي.

لم تتبدل السياسات السعودية الرامية لرفع مكانة الاسلام والمسلمين – فما اشبه اليوم بالأمس – بل ظلت المملكة ثابتة على مواقفها المشرفة خاصة فيما يتعلق بالقضية الأم تجاه الحق العربي في فلسطين المحتلة فلم يبتسم مسؤول سعودي معتبر في وجه مغتصب ولم يصافح محتلا رغم تنازلات البعض المتتالية وظلت المملكة شامخة تدعم الشعب الفلسطيني بالجاه والمال غير عابئة بنكران البعض وتشويه الصورة لأهداف اضحت مكشوفة للقاصي والداني

وشاركت المملكة بفاعلية واخلاص في تنمية جميع الدول العربية والاسلامية وبذلت ولاتزال الغالي والنفيس لتحقيق التطور والاستقرار في كافة انحاء المعمورة وتحملت بشموخ تبعات مواقف نبيلة وتصدت للحملات المسعورة فأسقطت احلام البائسين والمرتزقة فانكفأوا مخذولين يجرون اذيال الهزائم لا لشيء إلا لأن المنهج شفاف واضح صادق والمبادئ راسخة والأهداف واضحة لذلك فالقافلة تسير…..

جولات سمو ولي العهد
لأن المملكة مؤمنة ايمانا صادقا بأهمية التوازنات في علاقاتها شرقا وغربا فقد استطاعت تنمية صداقاتها القديمة الحديثة فاتحة المجال لنشوء علاقات سوية ذات بعد واضح شفاف فيما يحقق المكاسب المشتركة خاصة ان تلك السياسة الرشيدة اثمرت عن تطور غير مسبوق في كافة مناحي الحياة بعد ان تبوأت المملكة مكانة مرموقة وحصدت صداقات واكتسبت الثقة فأضحت مؤثرة تنافس باقتدار على قمم الصدارة من خلال اهتمامها بالتنمية ووقوفها بصلابة في وجه الارهاب والارهابيين ولكل هذا فقد استكمل صاحب السمو الملكي الامير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع جولاته المكوكية لدول العالم في كافة اصقاع الأرض فكانت باكستان والهند والصين محطات لاتفاقيات وتفاهمات واستثمارات محسوبة تؤصل لحياة مستقرة خاصة أن الدول الثلاث تشكل ثقلا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا كبيراً في ظل تجاوز عدد السكان للمليارات وبزوغ فجر تقدم مذهل في عالم يموج بالمتغيرات خاصة فيما يتعلق بالتقنية ولن نفصل فيما يخص تفوق دول الشرق الذي يمكن اعتباره نذيرا لاحتلال مراكز متقدمة.

وفي الدول الثلاث حلَّ سمو ولي العهد ضيفا مهما وحظي باستقبال يدعو للفخر والاعتزاز وكان صادقا واضحا شفافا فكسب ثقة واحترام قادة تلك الدول فمن إسلام آباد لنيودلهي ثم بكين، تترسخ خطوات قائد ملهم يستشرف ببصر ثاقب وبصيرة نافذة آفاق المستقبل، لبناء وتعزيز علاقات شراكة استراتيجية مع باكستان الدولة الكبرى في آسيا والقطب في العالم الإسلامي، ودولتي الهند والصين، وهما من أقوى دول آسيا والعالم، والمتوقع أن يتنافسا اقتصاديًا وعسكريا على صدارة المشهد العالمي قبل عام 2050.
وقد كانت جولة سمو ولي العهد ليست تقليدية أو بروتوكولية، لكنها بالغة الأهمية والتوقيت والدلالات، وضرورية لتفعيل الحضور السعودي القوي في العمق الآسيوي ومع فاعلين عظام في المشهد القاري وأساسيين في الخريطة الكونية، في المجالات كافة: اقتصاديا وعسكريًا وحضاريًا وثقافيًا.

علاقات متوازنة
وأهداف جولة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للدول الثلاث تتعدى الاتفاقيات وتطوير العلاقات الثنائية على مختلف الأصعدة، سعيًا لرسم وتشكيل وتأطير علاقات سعودية دولية متوازنة مع قوى كبرى حاليًا وعظمى مستقبلًا، في إطار سياسة سعودية تتفاعل مع المتغيرات الدولية المرتقبة؛ تحقيقًا للمصالح الوطنية السعودية ولتطلعات الأمة العربية والإسلامية. فالتوجه السعودي صوب الشرق، لا يعني القطيعة مع الغرب، لكنه تنويع للعلاقات، وضبط للتوازنات ، ومضاعفة للمكتسبات بل أنه موازنة للأدوار، ويرسل إشارات ورسائل حاسمة، لأطراف أخرى عديدة مفادها؛ أن المملكة لاعب محوري في المنطقة وأساسي في العالم، وأنها تملك كل الخيارات، وعلى كل الأطراف أن تعي أهمية الدور السعودي ومدى تأثيره إقليميًا دوليًا، وبالتالي المصالح الاستراتيجية للمملكة خط أحمر، لا تسامح مع تخطيه أو تجاوزه.

المحطة الأولى.. باكستان
العلاقات السعودية الباكستانية ممتدة منذ تأسست باكستان في 14 أغسطس عام 1947، وتميزت بمساحة كبيرة من التفاهم والتعاون والتقدير والدعم المتبادل، باعتبار البلدين من أقطاب العالم الإسلامي ومن أهم مصادر قوته، ويدرك الطرفان ضرورة الحفاظ على علاقات متينة وقوية؛ للفائدة المشتركة ولصالح مصالح الأمة الإسلامية وقضاياها العادلة.

التوقيت والدلالات
توقيت زيارة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى باكستان بالغ الحساسية والأهمية والدلالات فإسلام آباد تواجه اتهامات مزدوجة من جارتيها بالضلوع قبل أسبوع في اعمال جاءت على شكل تفجيرات ، بالإضافة للمحاولات الفارسية المستمرة للتدخل في الشؤون الداخلية لباكستان وتأجيج الفتنة بين سنتها وشيعتها، وكذلك تواجه باكستان مخاطر أمنية متعاظمة من “طالبان باكستان والقاعدة وداعش”،

فضلًا عن أزمة اقتصادية ومتطلبات مالية كبيرة لإنجاز حصتها من مشروع “طريق الحرير الصيني” المار بباكستان والباهظ التكاليف، كما تعاني إسلام آباد من تذبذب العلاقات مع الإدارة الأمريكية الجديدة، والمزاعم المتواصلة حول تقصيرها في الحرب على الإرهاب، بينما تتواصل التأثيرات السلبية للصراع الداخلي في أفغانستان في استنزاف المقدرات الباكستانية، وزيادة المخاطر الأمنية والإنسانية والاقتصادية على أمن واستقرار باكستان.

والسعودية بدورها تواجه مخاطر الإرهاب “الداعشي والقاعدي والإيراني والحوثي”، ومساعي المملكة حثيثة لتعزيز محور إسلامي وسطي يتصدى للتمدد والتوغل الفارسي في المنطقة، ويلجم تدخلات طهران وذيولها في الشؤون الداخلية لدول الإقليم، كما تسعي السعودية لتنويع مصادر دخلها، عبر الانفتاح على دول صاعدة بقوة وفي مقدمتها الصين ” الشريك الأساسي لباكستان”، وتتبنى كذلك توسيع خياراتها السياسية بتعظيم التنسيق والتعاون مع العديد من الدول، خاصة في آسيا، كما تحتاج المملكة للتفاهم مع الحليف الباكستاني في العديد من الملفات المفتوحة والملتهبة المتعلقة بعدد من الدول الإسلامية.

حفاوة كبيرة
كان لافتًا ومدهشًا الحفاوة الهائلة التي استقبل بها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حتى قبل وصول سموه إلى الأراضي الباكستانية؛ حيث أعلنت الحكومة الباكستانية يوم الاثنين عطلة رسمية بالعاصمة، بمناسبة زيارة ولي العهد السعودي، وفور دخول موكب طائرات ولي العهد الأجواء الباكستانية، بادرت إلى مرافقتها طائرات مقاتلة باكستانية، بينما توقفت جميع رحلات الطيران الأخرى، وكان رئيس الوزراء عمران خان في مقدمة مستقبلي سموه،

حيث بُسطت السجادة الحمراء وأطلقت المدفعية 21 طلقة تحية لضيف إسلام آباد الكبير، ورافق عمران خان سمو الأمير محمد بن سلمان إلى مقر الإقامة الرسمي لرئيس الوزراء، وهي المرة الأولى التي ينزل به ضيف في زيارة رسمية، كما قدم الرئيس الباكستاني أعلى وسام مدني في باكستان (نيشان-باكستان) إلى ولي العهد تقديرًا لدور سموه في تعزيز العلاقات بين البلدين.

تفاهمات واتفاقيات
وخلال الزيارة كانت كل الملفات مطروحة على مائدة النقاش، وتم الاتفاق بين الجانبين على أهمية تطوير العلاقات الثنائية في المجالات كافة، والعمل على إحلال السلام والاستقرار في أفغانستان، حتى يتمكن ملايين اللاجئين الأفغان في الدول المجاورة من العودة إلى بلدهم.

وقرر الجانبان إنشاء مجلس تنسيق ثنائي رفيع المستوى، يرأسه من الجانب السعودي سمو ولي العهد، ومن الجانب الباكستاني رئيس الوزراء عمران خان، بهدف تعزيز العلاقات بين الدولتين في المسارات جميعها، وخاصة الاستفادة من جميع الإمكانات المتاحة لتعزيز التجارة والاستثمار بين البلدين، وبناء شراكة اقتصادية قوية على مستوى القطاع الحكومي والخاص.

ووقعت المملكة وباكستان اتفاقيات بقيمة 20 مليار دولار، شملت برنامج تعاون بين الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة ونظيرتها الباكستانية، واتفاقا بين الصندوق السعودي للتنمية والحكومة الباكستانية لتزويد إسلام آباد بكميات من الزيت الخام والمنتجات البترولية، ومذكرات تفاهم لتمويل مشروعات ضخمة لتوليد الطاقة المتجددة والكهربائية في باكستان.

قناعة مشتركة
الرياض وإسلام آباد وصلتا لقناعة مشتركة أن ترسيخ العلاقات بينهما ضرورة ملحة، في ضوء تغيرات استراتيجية في السياسة الدولية، خصوصًا الجوار الحيوي للدولتين، بالإضافة لتشابه التحديات وأيضًا التطلعات؛ حيث سيكثف البلدان تبادل الخبرات وتنسيق العمل لمواجهة الإرهاب والتطرف والقضاء عليه، والاستفادة من دور باكستان مع الصين في بناء محور اقتصادي عالمي.

المحطة الثانية.. الهند
لعل اختيار الهند الخصم اللدود لباكستان، لتكون المحطة الثانية في جولة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، يبرهن على عمق السياسة السعودية الجديدة في المجال الخارجي، المرتكزة على البناء على القواسم المشتركة، والتقارب والتوازن والعمل لفائدة جميع الدول والشعوب، والنأي بالنفس عن سياسات المحاور والتكتلات.

استقبال حافل.. أيضًا
مثل باكستان، حظي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، باستقبال حافل في الهند، وعبر رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي عن ترحيبه بالضيف الكبير قائلًا : “الهند تبتهج مرحبة بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان”، وأعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الهندية رافيش كومار أن رئيس الوزراء تجاوز البروتوكول لاستقبال ولي العهد السعودي في نيودلهي، وصرح كومار : “كسرا للبروتوكول، مودي يستقبل الأمير محمد بن سلمان، خلال زيارته الأولى للهند”.

وكان في استقبال سمو ولي العهد لدى وصوله إلى مطار قاعدة تكنكل العسكرية رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، واحتفاءً بالزيارة ازدانت نيودلهي بصور الأمير محمد بن سلمان وأعلام المملكة ترحيبًا بالزائر الكريم.

أولوية استثمارية
يومًا بعد يوم، تتحول الهند لقوة اقتصادية وعلمية وقاعدة صناعية كبرى، كما تعد من أكبر أسواق الاستهلاك في العالم، وأيضًا تملك أيدي عاملة في مجالات مميزة ومتنوعة، واقتصادها ضخم ومتنامٍ ومرشح ليحتل في السنوات القليلة المقبلة المركز الثالث دوليًا، منافسًا لاقتصادي ألمانيا واليابان، ويرى الخبراء أن التنافس على الصدارة الاقتصادية في عام 2050 سيكون بين الهند والصين، ويبلغ معدل النمو السنوي في الهند 5.7% وهو الأعلى.

وتشهد العلاقات التجارية بين الرياض ونيودلهي نموًا كبيرًا خلال الفترة الماضية والحالية، مع توقعات بمزيد من الزخم في المستقبل، في ضوء النمو الكبير للاقتصاد الهندي، حيث ارتفعت التجارة بين البلدين بنسبة 10% العام الماضي، لتصل إلى 27.5 مليار دولار، كما تستورد الهند 17% من نفطها من المملكة، وكذا يعمل قرابة 3 ملايين هندي في السعودية، تتجاوز تحويلاتهم إلى بلدهم 10 مليارات دولار سنويًا، والسعودية رابع شريك للهند، وثامن أكبر الأسواق لمنتجاتها.

100 مليار دولار
خلال زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للهند، وقع الجانبان حزمة من الاتفاقيات الاقتصادية، ومتوقع أن يتجاوز حجم الاستثمارات 100 مليار دولار في مجالات مختلفة، وشملت الاتفاقيات ومذكرات التفاهم، برنامج عمل إطاريا للتعاون بين الهيئة العامة للاستثمار في المملكة واستثمار الهند، بجانب مذكرة تفاهم للاستثمار في الصندوق الوطني والبنية التحتية الهندية، ومذكرات تفاهم للتعاون في مجال البث الإذاعي والتلفزيوني والتعاون في مجال السياحة، بجانب مذكرة تفاهم في مجال الإسكان بين البلدين.

وشهدت الزيارة الإعلان عن انضمام المملكة إلى التحالف الدولي للطاقة الشمسية.

ومن أهم المشروعات التي يعمل عليها البلدان، مصفاة “راتناجيري” البالغة كلفتها 44 مليار دولار.

وأثنى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، على العلاقات الاقتصادية القوية بين الهند البلدين، وقال: “نرى فرصًا بأكثر من 100 مليار دولار في الهند خلال العامين المقبلين، ونأمل أن تسهم الاستثمارات مع الهند في خلق كثير من فرص العمل”.

وأضاف: “تمتد العلاقة بين الهند والسعودية لآلاف السنين. الفرص بين بلدينا كثيرة جدًا وهناك الكثير جدًا من المصالح: الثقافية والاجتماعية والاقتصادية.. نضع الخطط والاستراتيجيات اللازمة لتحقيق هذه المصالح”.

وأشار ولي العهد إلى أن :”رئيس الوزراء الهندي زار المملكة في عام 2016، وأسفرت الزيارة عن استثمارات في عامي 2017 و2018 في تكرير النفط والبتروكيمياويات، وفي العامين الماضيين كان هناك استثمار سعودي بـ 10 مليارات في مجال التقنية والشركات الصغيرة تحفزنا لاستثمار المزيد”.

وأعرب ولي العهد عن تطلعه إلى أن تسهم علاقة البلدين في توفير مزيد من الأيدي العاملة الهندية للمساهمة في مستقبل السعودية ورؤية 2030.

أرامكو
وتعتبر أرامكو عملاق النفط السعودي أن الاستثمار في الهند يمثل أولوية للشركة، وتتوقع ارتفاع طلب الهند على النفط إلى 8.2 مليون برميل يوميُا بحلول عام 2040.

وبدورها تتطلع الهند إلى مزيد من الشراكة مع السعودية، خاصة تطوير التعاون والاستثمارات مع أرامكو، في ظل تضاعف استهلاكها من النفط من جهة، والرغبة في تأسيس شراكات استثمارية مع الشركة النفطية الأولى عالميًا من جهة أخرى.

شراكة استراتيجية
من كل ما سلف، يمكن القول إن زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى الهند، تمت في إطار السعي لبناء شراكة استراتيجية مع نيودلهي، وهو ما سيشكل نقلة مهمة في البرنامج الوطني السعودي للتنمية الاقتصادية، خاصة القطاعات الاقتصادية المبنية على المعرفة تمهيدًا لمرحلة ما بعد النفط، وفق رؤية 2030.

المحطة الثالثة.. الصين
تكتسب زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لجمهورية الصين ، المحطة الثالثة في جولة سموه الآسيوية أهمية بالغة، باعتبار الصين قوة سياسية واقتصادية عظمى، وأكبر شريك تجاري للسعودية بحجم واردات من المملكة بلغ 46 مليار دولار في العام الماضي، وهي أيضًا المستورد رقم 1 عالميًا للنفط السعودي حاليًا.

وتأتي الزيارة في ظل توثيق العلاقات والشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين، خاصة أن التعاون بينهما بلغ أعلى المستويات، على المسارات كافة، حيث ترى بكين في الرياض قوة مهمة تؤدي دورًا إقليميًا محوريًا في تعزيز الاستقرار بالمنطقة، وبالتالي تساهم في توطيد الأمن والسلام الدوليين، بالإضافة إلى عمل المئات من المستثمرين السعوديين في الصين، مع تنامي التعاون بين الجانبين في السنوات الأخيرة، كما يوجد في السعودية حوالي 140 شركة صينية تعمل في مجالات الطاقة والإنشاءات والاتصالات والبنية التحتية والبتروكيماويات، وكثير من المجالات الأخرى.

• الرؤية والمبادرة
وتمثل الرؤية التنموية والاقتصادية للمملكة (رؤية 2030)، والمبادرة الصينية (مبادرة الحزام والطريق) وجهين لعملة واحدة، نظرًا لوحدة الهدف بالنسبة للرؤية والمبادرة؛ الهادفتين إلى التنمية المستدامة وتحقيق المنفعة لجميع الدول، وفق شعار الجميع مستفيد والتقدم حق لكل الشعوب، مما يفسر التطور الكبير في علاقات الطرفين مؤخرًا، وقد رحبت المملكة بمبادرة الحزام والطريق، لأهميتها في تسهيل ومضاعفة التجارة العالمية، عبر الربط بين آسيا وإفريقيا وأوروبا بشبكة متطورة من وسائل المواصلات والتواصل.

وتنظر القيادة الصينية لرؤية المملكة 2030 نظرة تقدير، وترى في ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قائدًا إصلاحيا صاحب رؤية عصرية متطورة، ويملك إمكانات وقدرة تؤهله لتنفيذ التغيرات الإيجابية داخل بلاده وفي الإقليم.

وتعول بكين على الرياض في أن تكون شريكًا رئيسيًا في طريق الحرير، إضافة إلى عضويتهما المشتركة في مجموعة العشرين، وأيضًا في العمل معًا ضمن الإطار الإقليمي والدولي في مجالات عديدة، خاصة في مجابهة الإرهاب والتطرف، والتعاون في مجال الطاقة، واستقرار أسواق النفط.

توقعات واعدة
ويتوقع الخبراء أن تضيف زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، دفعة قوية نحو تعزيز الشراكة بين الدولتين، خاصة بعد الاستقبال الاسطوري و توقيع الكثير من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في العديد من المجالات، وتفعيل ما تم الاتفاق عليه بين الجانبين في الدورتين الأولى والثانية من أعمال اللجنة السعودية الصينية المشتركة رفيعة المستوى.

وتأمل المملكة أيضًا في جذب المزيد من السياح من آسيا. حيث يعتبر تعزيز أعداد الزائرين أحد الركائز الأساسية للتحول الاقتصادي للبلاد، ويزور الملايين من الحجاج المسلمين البلاد كل عام، وترغب الرياض في زيادة هذا العدد إلى 30 مليون بحلول عام 2030، بالإضافة إلى جذب السياح الآخرين.

المنعطف التاريخي
وبحسب الأرقام والمعطيات؛ هناك مستقبل واعد للشراكة بين السعودية وباكستان والهند والصين، حيث يقترب عدد سكان الدول الثلاث من ملياري نسمة، وتسجل نموًا بارزًا، حيث يبلغ النمو السنوي في الهند 5.7% وهو الأعلى، وفي الصين استقر النمو عند نسبة 5.6%، أما الرقم المسجل في باكستان فبلغ 5%.

الجولة السعودية الآسيوية لولي العهد الأمير محمد بن سلمان تمثل منعطفًا تاريخيًا في آسيا والعالم، وتؤسس لمرحلة جديدة ستكون لها نتائج إيجابية مؤثرة في الفترة المقبلة، كما تحمل أهمية استثنائية سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا، في وقت يموج فيه العالم بتقلبات وتغيرات هائلة، وتعاني فيه كثير من الدول من أوضاع أمنية واقتصادية وسياسية تكاد تعصف بها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *