كم مرة قمنا بتجهيز حقائبنا بنية الرحيل، ثم تراجعنا في اللحظة الأخيرة بسبب موقف أو اعتذار أو رجاء منهم..! كم مرة تيقنّا أن وجودنا ليس مرحبا به ولكننا فضّلنا البقاء لأننا لم نقو على المغادرة، كم مرة هُمشنا، كم مرة استبعدنا، وكم مرة لم نفهم ما بين السطور.
لعلها لم تكن كثيرة إنما قد تكون هناك واحدة تستلزم أن نفعل كما يفعل الراحلون، لا نترك شيئاً من أغراضنا، ونتأكد من قطع التيار الكهربائي، نوصد الأبواب والنوافذ جيداً، ثم نمضي دون أن نلتفت إلى الخلف، وبعدها نمزّق خارطة الطريق، حتى إذا ما داعبنا الحنين وتغلبت علينا مشاعرنا.. نكون قد أضعنا العنوان، فلا نقوى على العودة فليس هناك ما يدعو إليها.
ربما لو أنك سألت الراحلون ماذا يحل بهم عندما تزورهم ذكرى من عالم الأمس لرأيتهم يبتسمون، فقد أبقوا على اللحظة الأخيرة وعرفوا الوقت المناسب الذي يجعل من رحيلهم طعم جميل.
هناك راحلون لم نرغب برحيلهم بل كنّا نحاول الإبقاء عليهم حولنا أطول وقت ممكن، وكنّا نرتجي منهم البقاء، إلا أنهم رحلوا..
أحياناً بدون إرادتهم، وأحياناً أخرى لم يجدوا لدينا ما يبقيهم، فقاموا بحزم أمتعتهم وابتسموا ابتسامة مودّع ثم أغلقوا الباب خلفهم، دون أن نعلم لماذا رحلوا وماالذي لم يجدونه عندنا، بل كنّا نحاول ونحاول أن نقصيهم عن الابتعاد، ولم ندرك أن إصرارانا هذا هو الذي جعلهم يرحلون، لم نعي أننا أقمنا حولهم أسوار حب عالية حجبت عنهم ضوء الشمس، ومنعت الهواء اللطيف من الوصول إليهم.
هل يا ترى لو أننا أزلنا تلك الأسوار سيعودون.. وهل لو عادوا سنكون على استعداد لاستقبالهم.. هل سنكون كما كنّا.. وهل ستكون لحضورهم نفس البهجة..؟
قد لا تكون تلك التي اعتبروها أسواراً مرهقة لغيرهم، وقد لا نكون مناسبين للبقاء معاً منذ البداية، وربما يطوّقوا بأكثر منها في مكان آخر.. فيكون بالنسبة لهم جنة الدنيا، وأن الأمر كله كان يتطلّب أن نقدم جميعنا على الرحيل.
للتواصل على تويتر وفيس بوك
eman yahya bajunaid