ملامح صبح

موقف فرحان وامتنان المطلق

يكتبها : صالح الشملاني

هذا الفرحان ، ذكرني في موقف لاينسى لعبد الله بن الزبير ، في مدح عمرو بن عثمان بن عفان رضي الله عنهما:

سأَشكر عَمراً ما تَراخَتْ مَنِيَّتِي
‏أَياديَ لَم تمننْ وإِنْ .. هي جَلَّتِ ,

هنا نزاهةً للنفس وقضاء للحاجة بصمت عالٍ وتضحية عظيمةً لاتوصف ، لازالت في قلب التاريخ والشعر حتى الان، هذا الوفاء والتضحية ليس في زمن الصحابة فقط بل في كل من سار على نهجهم من أمة محمد عليه أفضل الصلاة والسلام ، تجده عندما تعاني من ألم يجعلك ترافق العيادات لسنوات طوال ، وتتعرف من خلاله على جميع اسرة وزوايا المستشفيات وتحاكي الذات مع تلك السترة البيضاء والكادر الطبي المبتسم ، لاتعلم كيف تتنفس وتعيش بصحة وسلام رغم ان الامل في يد الله عز وجل لاينقطع هنا تتحول مع هذا الذبول والوجع من انسان الى شجرة تحركها الرياح حيث ماتشاء وتريد ، واكثر وجعاً عندما تصبح وتتحول قائمة الاسماء في جهازك الى سلة عيادات ودكاترة وملفات طبية ومواعيد متعثرة ،!

هنا تعيش حالة اشبه بالفقد واليأس ، لا تفكر عدا في استئصال هذا الوجع والتنفس ، حينها يتلاشى الاصدقاء وتقل اطلالتهم ، ولكن فجأة من وسط الزحام يترجل لك خيال بصهوة انسانيته وعظمة مرجلته يصرخ من اقصى عرق تتألم منه تلك الليلة الحزينة ويفزع ، ليطمئنك انك بخير بخير جداً ، وهكذا ( فرحان حميد الشملاني)،عندما تبرع بكليته وترجل لزميله وصديقه:الشاعر، سعد المطلق دون أن يخبر أحدا ولم يعلم أحد إلا بعد انتهاء العملية .الشاعر سعد المطلق كتب ابياتا وهو على السرير الابيض قبل ان يودع الصحو ويدخل وحل المخدر لصديقة فرحان يقول :

قبل لا ادخل احلام المخدر بدون شعور
وقبل لاترك اوجاع التعب وانزع ثيابي

تذكرت من صدره بمزن الوفا ممطور
رفيق اليا جيته تبسم … وهلابي

‏امانه معك لاتجرحه .. حيل يادكتور
‏تمهل واذا خيطك قصر عندك اهدابي

وبعد أن فاق من غيبوبة ورحلة المخدر التي يفقد من خلالها الانسان جزءا من ذاكرته وادراك ماذا كان يحصل ، كتب هذه الفاتنة من الشعر الاصيل يهديها الى روح وجسد وقلب ، فرحان الشملاني:

تلوذ المعاني والقصايد عليه جياع
وانا اقول محراب الشعر قبلته روحه
ابااحايل حروفه عبث علها تنصاع
واسولف عن جروح كتم دمها نوحه

قدر ينتزع همي مثل نزعة النزاع
وبنالي من انقاض العمر بالامل دوحه
انا صاحبي عطر الرجاجيل ياهزاع
سواليف صمته تغني الناس عن بوحه

يشوفونه انه دمث خلق وكريم اطباع
وانا شايف ان الهيل لافاح من فوحه
ثلاثين عام اشرفت به عالي المطلاع
ثلاثين عام بخافقي يبني صروحه

اجي له من هموم الزمن والزمن ملتاع
واعود وانا صدري يرفرف من مزوحه
انا كيف ابادله الوفا صاع يتلي صاع
وانا خابره مايلحق طيبه وشوحه

قلب لي خريف العمر في وقفته مرباع
رسم لي من جنون الوفا للوفا لوحه
بعدماانظر لسود الليالي نظر مرتاع
عطاني فضاه ونور لدنيتي ضوحه

وش اعظم من اللي ضم صدره غلاي اوجاع
من انبل من اللي صحتي .. سبة جروحه!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *