متابعات

الحزم السعودي أوقف الأطماع الإقليمية وحافظ على التماسك العربي

القاهرة – محمد عمر

إذا كان استقرار منطقة الخليج، والحرص على قوة تماسكه من أولويات المملكة والدول الشقيقة الأعضاء، الداعمة لهذا الحرص السعودي؛ انطلاقًا من الأهداف التي حددها ميثاق مجلس التعاون الخليجي ، فإن الدائرة العربية الأوسع لاتقل أهمية في سياسة المملكة؛ انطلاقا من مكانتها ومسؤولياتها الرائدة، التي تبذل من أجلها المواقف التاريخية، لنصرة القضايا العربية ودعم التضامن والعمل العربي المشترك ، والحرص على تقوية وتفعيل دور الجامعة العربية .

وفي قراءة عربية لسياسة المملكة على هذا الصعيد، ومواقفها الكبيرة ، تحدث عدد من الخبراء والمختصين لـ ” البلاد”، مؤكدين على أهمية دور المملكة في دعم العمل العربي المشترك ، وتوظيف مكانتها وتأثيرها في الانتصار لقضايا الأمة، مشددين على حاجة الجامعة العربية إلى إصلاحات كبيرة، تمكنها من الاضطلاع بدورها في حل الأزمات الراهنة، والتصدي للتحديات الخطيرة في المنطقة الناجمة عن التدخلات الخارجية المدمرة لاستقرار بعض الدول العربية، كما تفعل إيران في اليمن وسوريا.

بداية، يؤكد هشام البقلي – مدير وحدة الدراسات السياسية بمركز سلمان زايد ، أهمية الدور المركزي للمملكة العربية السعودية، في دعم العمل العربي، والدفاع عن قضايا الأمة وحرصها على تفعيل دور الجامعة العربية؛ باعتبارها أحد أهم ركائز العمل العربي في كافة المجالات ، وتعكس الموقف العربي تجاه القضايا على الصعيدين الإقليمي، والدولي، وكان لها دور هام فى العديد من القضايا الإقليمية، وهى المظلة الشرعية، التى تربط الدول العربية بشكل كبير، وتعتمد على الدبلوماسية في العمل الدولى والإقليمي، كما أنها تضم مجموعة كبيرة من الدبلوماسيين، الذين لهم دور هام فى كافة المحافل الدولية .

وأضاف ” البقلى “: فى ظل الاوضاع الحالية بالمنطقة العربية، يجب أن يكون للجامعة العربية دور هام فى حل الأزمة اليمنية، وتبني مشروع لهذا الغرض، وأن تعمل على الوحدة العربية بكافة الأشكال . يجب أن نرى دورا للجامعة، ليس على مستوى الأحداث والتطورات، مقتصرا على البيانات؛ لذلك يجب إعادة صياغة آليات العمل داخل جامعة الدول العربية؛ لتفعيل دورها على الأرض .

ودعا البقلى إلى وضع آليات تكون ملزمة بتبني الموقف العربي الجامع، تجاه القضايا الدولية والإقليمية الهامة، دون خروج عن الصف العربي؛ لتستطيع الأمة مواجهة تلك التحديات بالمنطقة؛ كالمخطط الإيراني الخبيث الداعم للفوضى والإرهاب ، ومن شأن وحدة الصف العربي وتفعيل دور الجامعة ومنع انحراف بعض المواقف.

أو التغريد سلبا خارج السرب العربي ، بما يزيد من قدرة العرب على التصدي للمخاطر والشرور المرتبطة بالتدخلات الإيرانية ومحاربة الإرهاب وتجفيف منابعه، وهنا سيكون للجامعة دور فى الرد على من يعبث بالأمن القومي العربي، كما يجب تحديد موعد للاجتماع العام للجامعة العربية، بشكل دورى على غرار اجتماع الأمانة العامة للأمم المتحدة .

* مواقف حازمة
من جانبه، طرح المحلل السياسي العراقي حازم العبيدي تساؤلا، حول مواقف اتتعارض مع رؤيه التكامل العربي وأهدافه، وهذا ما ينعكس على قرارات الجامعة ، منوها بجهود المملكة الداعم للجامعة العربية والجهد العربي المشترك ومساندتها للحقوق العربية، والتصدي لكل من يستهدف الاستقرار العربي ، كما أكد على ضرورة تطوير ميثاق الجامعة العربية وفق متطلبات المرحله الحالية؛ حتى تتمكن من الحفاظ على المنطقة وإنهاء الصراعات الموجودة حاليا، ومنع تكرارها في المستقبل.

وأشاد العبيدي بمواقف خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان – حفظهما الله – في الموقف الحازم تجاه مشاريع التآمر على الدول العربية ، معتبرا أن تمرين “درع العرب” هو قاعدة هامة لتشكيل القوة العربية المشتركة؛ مضيفا، أن المملكة هي من تقوم بقيادة الأمة العربيه لمواجهة التحديات بشراكة مصرية فاعلة ، مؤكدا أن المملكه تحمل على عاتقها إغاثة العالم العربي والإسلامي على المستوى الإنساني، و لها أدوار عظيمة في إرساء قواعد الاستقرار والسلام في المنطقة العربية.

من جهته، قال محمد شعث، المتخصص فى الشؤون العربية، أن جامعة الدول العربية تعد إحدى أقدم المنظمات الإقليمية والدولية نشأة؛ حيث تزامن قيامها مع نهاية الحرب العالمية الثانية، فكان تأسيسها على يد بعض الدول المستقلة آنذاك، والمملكة من الدول المؤسسة للجامعة العربية، وساندت جهودها ولاتزال على عهدها بالدعم المادي والسياسي وتفعيل قراراتها ، مضيفا، أن الجامعة العربية؛ كغيرها من الكيانات والمنظمات الإقليمية تسعى إلى تكريس إرادة الدول الأطراف في تحقيق أهداف مشتركة، وتتمثل في تعزيز التعاون والاعتماد المتبادل المتكافئ، كما تعمل على العيش مع بعضها البعض في إطار السلم والأمن ومواجهة التهديدات ، وتحقيق هدفها الأسمى وهو الوحدة والاندماج في كتلة واحدة ، سيما أن الجامعة لها نفس أهداف المنظمات الإقليمية الأخرى، لتقوية الصوت الجماعي العربي وتوثيق الصلات بين الدول الأعضاء فيها، خاصة وأن الدول العربية تمتلك مقومات وإمكانات التكامل الضرورية؛ سواء منها الجغرافية، الاقتصادية، الاجتماعية، أو التاريخية الحضارية.

وأبدى شعث استغرابه من ضعف الجامعة، على الرغم من طول التجربة والخبرة التي عاشتها في مختلف المجالات ، إلا أنها أخفقت في توحيد الصف العربي وتحقيق الوحدة المنشودة . فكيف وموقفها غائب من حسم القضايا المصيرية، والملفات الساخنة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، والتدخلات الايرانية في اليمن وسوريا والأوضاع في ليبيا ، ناهيك عن تحديات التحولات التي يشهدها النظام الدولي، في ظل العولمة، وما ينجز عنها من انعكاسات على العالم.

وحذر شعث من تزايد الخطورة على كينونة النظام الإقليمي العربي؛ جراء المخططات الاقليمية ، مطالبًا بإعادة النظر في إشكالية إعادة تفعيل العمل العربي المشترك، من خلال ضرورة القيام بإصلاح جامعة الدول العربية؛ حتى تستجيب لمتطلبات الواقع العربي وتقويتها، من أجل مجابهة التحديات.

* المصالح العربية
بدورها، تقول سارة عبدالسلام الباحثة فى الشأن السياسى: إن الجامعة العربية أو بيت العرب، كما يطلق عليها ومنذ قيامها عام 1945، كان همها الأول المساعدة في استقلال الدول العربية من براثن الاستعمار الغربي، علاوة على ظهور القضية الفلسطينية بعد سنوات، وبالتحديد عام 1948، ورغم العدد المحدود من الدول العربية في الجامعة آنذاك ، إلا أن صوت هذه المنظمة كان مسموعا، ولعبت دورا قوميا خلال عقدين ونصف من استكمال انتهاء الاستعمار الغربي بعد انسحاب بريطانيا من المنطقة وكذلك الاستعمار الفرنسي من لبنان وسوريا وتونس والجزائر والمغرب والصومال وموريتانيا علاوة على الاستعمار الإيطالي والبلجيكي من ليبيا وعدد من دول القرن الإفريقي كالصومال وجيبوتي.

ومن هنا، بدأ عهد الجامعة العربية بالتضامن العربي، وحركات التحرر من قبضة الاستعمار لعدد من الدول العربية ، مشيرة إلى تراجع دور الجامعة العربية ، وقد خرجت العديد من الأصوات داعية الى أهمية إصلاح الجامعة العربية وإعادة هيكلة مؤسساتها، بحيث تكون منظمة ذات قدرة على خدمة المصالح العربية والتدخل الفعال لحل أي إشكال عربي- عربى ولكن حتى الآن لم يحدث أي حديث جدي عن تنفيذ تلك الآلية الخاصة بالتحديث والتطوير وإصلاح هياكل الجامعة العربية، وفي هذا تبذل المملكة جهودا مميزة لتعزيز التضامن والعمل على استقرار المنطقة وتكاتف دولها للتصدي للأخطار، ويأتي في هذا الاطار كيان الدول المشاطئة للبحر الأحمر.

من جهته، قال العقيد ركن فى الجيش اليمنى يحيى أبو حاتم: إن الجامعة العربية غابت بشكل كبير على لعب دور في الملف العربي، ولذلك نتمنى أن تعيد الجامعة العربية رؤيتها واستراتيجيتها و تفعيل قراراتها في القضايا العربية، وفي اعتقادي أن هناك خطوات لم تتخذ من الجامعة العربية؛ أولها إصدار قرارات صارمة، تجاه إيران وغيرها نظرا لتدخلهم المباشر في الشان العربي.
من جانبه، يقول محمد فوزى السيد الباحث السياسى :إن جامعة الدول العربية التى تنتمى إلى الجيل الأول من المنظمات الدولية والإقليمية، شهدت العديد من مشاريع التطوير، بعض هذه المشاريع رفع السقف عاليا فى طموحاته وأفكاره مقترحاته، فجاء منقطعا عن الواقع العربى.

ومن الانصاف القول: إن الجامعة حققت الكثير وتحاول تطوير آلياتها التي تحتاج إلى إرادة عربية عاجلة ، والعمل العربي على استكشاف وتحديد المصالح المشتركة وهى كثيرة أيا كان حجم هذا التعاون أو عدد المشاركين فيه. فلا يبقى التعاون العربى، أو لم يعد من الممكن أن يبقى مجرد شعار، يعبر عن تمنيات وأمان، بل يصبح حاملا لمشاريع ومضامين تخدم مصالح المجتمعات العربية بكافة أطيافها، وكذلك أمن واستقرار وازدهار الدول العربية.

واعتبر السيد ، أن أجندة جامعة الدول العربية مثقلة بالمهام، وعلى الجامعة، التى لا يمكن أن تستمر فى منأى عن التمخضات الحاصلة فى البيئة العربية. وبالتالى لن تستطيع الجامعة العربية أن تبقى عصية على التطوير الهيكلى والسلوكى الفعلى والعميق، كأن تبقى فى حلتها القديمة، دون أن تصل إلى حالة من القطيعة الفعلية وشبه الكلية مع التطورات المتغيرة في الإقليم والعالم.

من جهته، قال العزب الطيب الطاهر، الخبير المتخصص فى الشئون العربية: قبل الحديث عن فعالية الجامعة العربية فى حل الأزمات العربية، يتعين الإشارة الى حقيقة، ربما تكون غائبة عن الأذهان، تكمن فى أنها – أى الجامعة – ليست صانعة للقرارات، فالتحدي يكمن في تنفيذ القرارات العربية، التي يقررها القادة ووزراء الخارجية ، ورأينا نجاحا في ذلك يحدث بالفعل فى بعض قطاعات التعاون المشترك؛ الأمنية منها والاقتصادية والتجارية والثقافية والاجتماعية والتي تصب في صالح العمل العربي والشعوب، بيد أن الأمر يبدو مختلفا فيما يتعلق بالأزمات العربية؛ لأن ثمة أطرافا إقليمية ودولية كإيران وتركيا وقطر متورطة؛ إما فى تأجيج هذه النزاعات، أو تدعم طرفا محليا فى الأزمة, مثلما هو الحال بالنسبة للنظام الإيراني الذي يتدخل في الشؤون العربية ، بل هي من تفتعل وتصنع الأزمات وحرضت على إشعالها في فترات مختلفة، كما حدث في ( سوريا . اليمن . لبنان العراق .البحرين ) لكن جاءت مواقف المملكة حازمة في تصديها لأطماع النظام في طهران، ووقف التمدد الفارسي الخطير على الهوية والمصالح العربية والاستقرار في هذه المنطقة الهامة من العالم المنطقة بكل تأثيراتها على الاستقرار الإقليمي والعالمي؛ بحكم المصالح الاستراتيجية، وحافظت هذه الجهود على التماسك العربي، وأيضا تفعيل التعاون بين الدول العربية والإفريقية لتعزيز أمن منطقة البحر الأحمر وتحصينها من التفافات إقليمية خطيرة، تستهدف الدول والملاحة البحرية في هذا الممر الاستراتيجي للتجارة الدولية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *