جدة ــ البلاد
لربما لم يستوعب أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، التأكيدات المستمرة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على أهمية علاقته بلاده بالمملكة، ودورها المحوري في التصدي للنفوذ الإيراني، واعتبارها شريكاً مهماً في مواجهة خطر الإرهاب والجماعات المتطرفة في العالم.
فالمملكة إلى جانب ذلك كله، ذات سياسة ثابتة قائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وكذلك عدم القبول مطلقاً بالتدخل في شؤونها الداخلية من أي دولة كانت؛ لذا حمل الرد السعودي الرسمي على بيان مجلس الشيوخ الأمريكي، الكثير من الدلالات والرسائل المهمة، التي تستدعي الانتباه والاستيعاب جيداً؛ سواء من الولايات المتحدة الأمريكية، أو خارجها، في الوقت الذي تقدر المملكة علاقاتها القوية مع واشنطن، وتعمل على تطويرها.
وتمثلت أولى هذه الرسائل، في أن المملكة بما تملكه من ثقل ديني واقتصادي وسياسي في منطقة الشرق الأوسط والعالم، من المستحيل أن تقبل بالتدخل السافر في شؤونها الداخلية، أو المزايدة على موقفها الواضح، بشأن ما حدث في القنصلية السعودية باسطنبول.
فما حدث للمواطن جمال خاشقجي، جريمة مستنكرة، لا تعبر عن سياسة المملكة، ولا نهج مؤسساتها، والمملكة أحرص على مواطنيها من غيرها، ومسار العدالة في هذه القضية، ثم إن القيادة السعودية ممثلة في الملك سلمان، وسمو ولي العهد، يعتبران خطاً أحمر للشعب السعودي ولمئات الملايين من العرب والمسلمين حول العالم، نظراً لما تمثله المملكة من أهمية سياسية ودينية للعالم الإسلامي.
وكان مجلس الشيوخ، قد مرر مشروع قرار، من شإنه الإسهام في حدوث شرخ كبير بين الغرب والشرق، كما أنه يفتح الباب أمام المتطرفين من الجانبين لتوسيع الهوة بين المجتمع الأمريكي ونظيره السعودي، مرتكباً بذلك خطأً فادحاً، الأمر الذي دفع المملكة، ممثلةً في مصدر مسؤول في وزارة الخارجية، إلى الإعلان عن أن السعودية تستنكر الموقف الذي صدر مؤخراً عن مجلس الشيوخ؛ لأنه بني على ادّعاءات واتهامات لا أساس لها من الصحة، ويتضمن تدخلاً سافراً في شؤونها الداخلية، ويطال دور السعودية على الصعيدَين الإقليمي والدولي.
وقد يدفع هذا المشهد مجلس الشيوخ الأمريكي؛ لتقديم اعتذار رسمي، للمملكة “أولا”، ولشعوب الأمة العربية والإسلامية، التي ترى أن مجلس الشيوخ الأمريكي، وقع في سقطة مدوية كبرى، لن يمحوها تاريخه الطويل، وربما تكلفه الكثير من مكانته وتشوه صورته وتشكك في مبادئه، التي يتشدق بها صباحاً ومساءً، بأنه مدافع دائماً عن الحريات، ويرفض المساس بكرامة الدول الأخرى واستقلالها، ويناضل من أجل حقوق الإنسان، ولا يسمح بتجاوزها، أو التعدي عليها في أي مكان في العالم، على الرغم من أن قراره غير ملزم، ولا يعبر عن وجهة نظر الادارة الامريكية، ولا يعي حجم وعمق العلاقة الاستراتيجية بين البلدين.
ويمكن القول: إن مجلس الشيوخ الأمريكي، تناسى الكثير من المعلومات والحقائق المهمة التي غابت عن ذهنه، عندما همّ بصياغة بيانه المنتقد للمملكة. من هذه الحقائق أن علاقة المملكة والولايات المتحدة الأمريكية، تاريخية واستراتيجية، وتعزز المصالح المشتركة بين البلدين.
فإذا كانت المملكة تستفيد من الولايات المتحدة الأمريكية في الكثير من المجالات، مثل المجال العسكري، فالأخيرة أيضاً تستفيد من المملكة في مجالات وملفات كثيرة، تخص استقرار الشرق الأوسط.
وعلى رأس هذه الملفات، ملف محاربة الإرهاب، الذي تشارك فيه المملكة بجزء كبير ومحوري، يظهر في محاربة تنظيم “داعش”، وإرهاب “حزب الله”، والإرهاب الإيراني، وإرهاب الحوثيين، فضلاً عن دور المملكة في تأمين الطاقة لدول العالم بأسعار معقولة.
ويضاف إلى ما سبق، حرص المملكة وقادتها على محاربة الجوع والفقر والأمراض في أكثر من بؤرة في العالم، من خلال ما تقدمه من مساعدات عينية ومادية بعشرات المليارات، مما يؤكد إنسانية هذا البلد، وما تؤمن به من قيم ومبادئ، تنشر السلام والعدل والاستقرار في المنطقة، وهذا المشهد يعزز بشكل مباشر وغير مباشر، المصالح الأمريكية في المنطقة، ويجعلها في أمان.