دأب قادة هذه البلاد الطيبة المباركة، منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود، طيَّب الله ثراه، حتى قائد سفينتنا اليوم، سيدي الوالد المكرم، خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، حفظه الله ورعاه، وسدَّد على طريق الخير خطاه، دأبوا جميعاً على التأكيد على أن مكة المكرمة والمشاعر المقدسة فيها، والمدينة المنورة، هي أهم شيء في حياتهم؛ لأنها تمثل جميعاً ذروة سنام رسالتهم ولحمتها وسداها.
فما تأسست هذه البلاد الطيبة المباركة إلا لأداء هذه الرسالة السامية العظيمة، التي ليس مثلها في الدنيا شرف أعظم أو أرفع شأناً، وهل من شرف أعظم شأناً من خدمة بيت الله، ومثوى رسوله، صلى الله عليه وسلم، وإكرام ضيوف الرحمن ورعايتهم وحفظ أمنهم وتسهيل مهمتهم لأداء فريضة حجهم التي تمثل الركن الخامس من الإسلام.
والحقيقة، ليس هذا التأكيد على أهمية هذه الرسالة وعظمتها، والتفاني في أدائها مجرد شعارات جوفاء زائفة، أو مزايدات سياسية فارغة، أو ادعاءات مضللة لتحقيق أغراض دنيوية زائلة، بل هو واقع عملي راسخ، شهد به كل مراقب محايد منصف.
ويحضرني في هذا حديث لحادي ركبنا اليوم، مليك الحزم والعزم والحسم سلمان الخير، إذ يقول: (هذه الدولة في خدمة البيتين الحرمين الشريفين، ويشرف ملكها أن يكون خادم الحرمين الشريفين؛ وهذا منذ عهد الملك عبد العزيز إلى اليوم، والحمد لله… ومكة المكرمة تهمنا قبل أي مكان آخر في الدنيا هي والمدينة المنورة)، ملخصاً ما أجمع عليه كل من تشرفوا بأداء هذا الواجب العظيم مثله منذ عهد المؤسس، عليهم رحمة الله وبركاته.
وما يزال ثمَّة صدى عبارات مجلجلة، نابعة من أعماق الأعماق للراحل الكبير، أخو سلمان، الملك فهد، رحمه الله، وجعل الجنة مثواه، يتردد في الذاكرة، إذ يقول حكيم العرب وعبقري السياسة: (أعلن اليوم استبدال مسمى صاحب الجلالة بلقب أحبه ويشرفني أن أحمله، وهو خادم الحرمين الشريفين… لقد أنعم الله علينا أن نكون في خدمة الحرمين الشريفين، هذا أفضل شيء.. أفضل شيء في التاريخ، أول بيت وضع للناس بمكة، ومسجد رسول الله، وجثمانه، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه. مين يلقى هذه ويخليها؟ مين يلقاها ولا يبذل آخر مجهود فيها؟).
فكل من يتولى الحكم يكون شغله الشاغل، هو توسعة الحرمين الشريفين، والمشاعر المقدسة وتوسعة الطرق التي تؤدي إليها جميعاً، والارتقاء بما فيها من خدمات لوجستية مساعدة من مظلات وفرش ومواقف سيارات ودورات مياه على أرقى المستويات، وبأعداد هائلة توفر خدمة مريحة لمرتاديها من ملايين المسلمين سنوياً، ممن يفدون للحج والعمرة والزيارة. ولأن الأمر كذلك فعلاً وهو مسألة مبدأ ورسالة عظيمة في الحياة، نجد أن قادتنا يتسابقون في الخيرات؛ فكل خلف يضع مزيداً من اللبنات على مختلف المستويات في العناية بالحرمين الشريفين، والمشاعر المقدسة، بما في ذلك أعمال التوسعة الشاملة لصحن الطواف والمسعى والجمرات، حتى أصبح الحج إضافة إلى أداء العبادة، رحلة ممتعة وذكرى عزيزة غالية، لا تصل إليها يد النسيان أبداً مهما تعاقب الحدثان.
وبجانب هذا كله، اعتادت دولة الرسالة هذه، رعاها الله، أن تهب كلها بمختلف إداراتها المعنية بإشراف مباشر من قائد المسيرة، وولي عهده، وأمير منطقة مكة المكرمة رئيس لجنة الحج المركزية، و وزير الداخلية، و رئيس الحرس الوطني للعمل على تهيئة كل الظروف المطلوبة، وتوفير بيئة آمنة لاستيعاب ملايين الحجاج في رقعة محدودة، والسهر على راحتهم، والاطمئنان على توفير كل احتياجاتهم، وتوفير أمنهم لأداء فريضتهم في أمن وأمان واطمئنان.
وقد تُوِّجَت تلك الجهود الصادقة الحثيثة بحج آمن عاماً بعد عام، إذ يعكف المعنيون على دراسة كل صغيرة وكبيرة من الظروف التي يبدأ فيها الحج، ومن ثم يعكفون على تدوين الملاحظات الإيجابية، ووضع معالجات ملائمة لما يرونه من سلبيات. ويبدأ هذا عادة من وداع آخر رحلة حج تغادر البلاد، حتى وصلنا اليوم بعون الله، سبحانه وتعالى وتوفيقه، ثم بحرص قادة دولة الدعوة والرسالة الخالدة وجهد الشعب السعودي المؤمن الصادق، إلى أداء مذهل سرَّ الأصدقاء، وجعل الأعداء الحاقدين الحاسدين المتربصين يبتلعون ألسنتهم، بعد أن أشاد العالم أجمع بمختلف شعوبه وأعراقه ودياناته بما تقدمه دولة الرسالة من خدمات راقية لضيوف الرحمن.
فالشكر والثناء أولاً وأخيراً لله، العلي القدير، الذي امتن علينا بهذه النعمة العظيمة، وهذا الشرف الذي لا يدانيه شرف في الدنيا، ثم التحية والتقدير والعرفان والامتنان لسيدي الوالد المكرم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولأخي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع.
وحبل الشكر موصول أيضاً إلى إخوتي أصحاب السمو الملكي الأمراء: خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين، أمير منطقة مكة المكرمة، رئيس لجنة الحج المركزية، ونائبه بدر بن سلطان بن عبد العزيز، وعبد العزيز بن سعود بن نايف، وزير الداخلية، وعبد الله بن بندر بن عبد العزيز وزير الحرس الوطني، وكل من شارك في هذه المهمة السامية لخدمة ضيوف الرحمن .