يعد ارتفاع ضغط الدم عاملا رئيسيا للإصابة بأمراض القلب وتصلب الشرايين والجلطات الدماغية ، وهو- مع الأسف- من الأمراض المنتشرة عالميا ، حيث تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية الى أن ما يفوق عن مليار شخص حول العالم مصاب بهذا المرض القاتل الذي يسبب حوالي ٩.٤ مليون وفاة سنويا حول العالم ، كما يعزى لمضاعفات ارتفاع ضغط الدم ما يقارب من ٤٥٪ من الوفيات بأمراض القلب ، و٥١٪ من الوفيات بأمراض السكتة الدماغية.
ولمجابهة هذا «القاتل الصامت» ، الذي لا تظهر في أغلب الأحيان أعراض ٌ على المصابين به ، وضعت منظمة الصحة العالمية مستهدفا بخفض معدل انتشار مرض ارتفاع ضغط الدم دوليا بنسبة ٢٥٪ بحلول عام ٢٠٢٥ م ، عبر التحكم في عوامل الخطر المسببة له ، كالتدخين ، وزيادة الوزن ، وقلة النشاط البدني ، وزيادة استهلاك ملح الطعام.
وفي المملكة العربية السعودية ، أعلنت وزارة الصحة عام ٢٠١٩م ليكون عاماً لمكافحة ارتفاع ضغط الدم والوقاية منه ، وصاحب ذلك الإعلان عن إطلاق عدة مبادرات ، كمبادرة تطبيق مسار رعاية مرض ارتفاع ضغط الدم في مختلف مناطق المملكة ، والبدء في خفض كمية الملح المضاف للخبز ، وإقامة حملات للكشف المبكر عن ارتفاع ضغط الدم.
ولعله من المناسب أيضا ، أن يتبع ذلك جهود لتطوير الممارسة المهنية في مكافحة أمراض ضغط الدم ،عبر تبني استراتيجيات جديدة ، تصبو لتحقيق الأهداف المرجوة بقدرٍ عالٍ من الكفاءة، ويأتي في مقدمة هذه الاستراتيجيات ، استراتيجية تقاسم المهام ، والتي تعني أن لا يتم التركيز على الأطباء فقط عند تصميم نموذج لرعاية مرضى ارتفاع ضغط الدم ، وإنما يناط ذلك بالفريق الطبي بأكمله – من أطباء و ممرضين وصيادلة وغيرهم ، لتقديم الرعاية الطبية المناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم ، مع ما يصاحب ذلك من تدريب على رأس العمل ، والحصول على شهادات مناسبة ، تضمن تقديم الخدمة بالمستوى المطلوب من الجودة.
إن تبني مثل هذه الاستراتيجية ، بات أمرا ضروريا ، اذا ما أخذنا بعين الاعتبار ندرة الأطباء ، والنمو السكاني المضطرد ، وارتفاع معدلات انتشار ضغط الدم ، فيمكن عند عدم توفر عدد كافي من الأطباء ، أن يتم مشاركة المهام التي يؤديها الأطباء مع غيرهم من المهنيين في مجال الرعاية الصحية على أن يكون ذلك مصحوبا بالإشراف الطبي و الإحالة إلى الأطباء في الحالات التي تستدعي ذلك ، كما أن استخدام القوى العاملة المتوفرة في مجال الرعاية الصحية من غير الأطباء قد يكون خطوة منطقية لإدارة مخاطر القلب والأوعية الدموية في المناطق الطرفية، التي يكون الوصول إلى الأطباء فيها أمرًا صعبًا نوعا ما ، لعدم توفرهم بأعداد كافية .
ولقد أثبتت هذه الاستراتيجية فائدتها علميا ، ففي مراجعة منهجية نشرتها مجلة اللانست المرموقة علميا ، أظهرت هذه الاستراتيجية كفاءة في خفض ارتفاع ضغط الدم الانقباضي بمتوسط ٥.٣ مم زئبق عند مشاركة مهام الأطباء مع الممرضين ، و ٨.١٢ مم زئبق عند مشاركتها مع الصيادلة ، كما كان هناك معدلات خفض مشابهة في ضغط الدم الانبساطي عند تبني استراتيجية تقاسم المهام مع غير الأطباء.
وعلى الرغم من جدواها علميا ، إلا أن استراتيجية مشاركة المهام لن تؤتي ثمارها إن لم تكن مصحوبة بإعادة هيكلة نموذج الرعاية الصحية لتطبيق مثل هذه الاستراتيجية التي تحتاج لتفعيل التدريب على رأس العمل و تعزيز الإشراف الداعم ، وما يترتب على ذلك من اعادة صياغة الوصف الوظيفي للمارسين الصحيين.
وقبل هذا كله ، ينبغي تقييم الفعالية الاقتصادية لتبني استراتيجية تقاسم المهام من حيث التكلفة ، كالذي حدث في الأرجنتين مثلاً ، كما ينبغي أيضا دراسة فهم الحواجز والعراقيل التي قد تصاحب تطبيقها في بيئات متنوعة ، مما يساهم في دعم صاحب القرار عند اتخاذ سياسات تمكن من تنفيذ هذه الاستراتيجية على نطاق واسع؛ من أجل السيطرة على ضغط الدم بكفاءة عالية ، إلى جانب عوامل الخطر الأخرى للأمراض المزمنة.