مقالات الكتاب

الذكريات.. أرشيفنا الذي لا يغلق

لكل حدثٍ يمرّ في حياة الإنسان ذاكرةٌ تحفظه، لا بوصفه مجرد واقعة زمنية، بل كتجربة متكاملة تسجَّل بكل تفاصيلها، بما فيها المشاعر، والملامح، والأصوات، فالذكريات ليست مجرد استرجاع للماضي، بل هي جزء أصيل من تشكيل الوعي الإنساني وبناء الهوية الشخصية.
وتشير دراسات نفسية واجتماعية إلى أن الذاكرة تلعب دورًا محوريًا في توجيه سلوك الإنسان وقراراته؛ إذ تستدعي التجارب السابقة عند كل موقف مشابه، سواء كانت تلك التجارب إيجابية تعزز الثقة، أو سلبية تفرض الحذر ، فالإنسان في كثير من الأحيان، لا يتصرف وفق اللحظة الراهنة فقط، بل وفق ما تختزنه ذاكرته من أحداث عاشها أو تأثر بها.
وتتفاوت الذكريات في حضورها وتأثيرها؛ فبعضها يمر مرور الكرام، مرتبطًا بأحداث عابرة لا تترك أثرًا طويل الأمد، فيما تظل ذكريات أخرى راسخة في الوجدان، تعود في أوقات غير متوقعة، وتفرض حضورها بقوة، مهما حاول الإنسان تجاوزها أو نسيانها، وغالبًا ما تكون هذه الذكريات مرتبطة بمواقف مفصلية، أو أشخاص تركوا بصمة عميقة في مسار الحياة.
وفي ظل تسارع الحياة الحديثة، بات الإنسان أكثر عرضة لتكدس الذكريات، ما بين ضغوط العمل، وتغير العلاقات، وتقلب الظروف. ويؤكد مختصون أهمية التعامل الواعي مع الذاكرة، عبر استثمار الذكريات الإيجابية؛ كمصدر إلهام ودافع، وعدم الارتهان للذكريات المؤلمة التي قد تعيق التقدم وتثقل النفس وتحزنها .
وتبقى الذكريات- في نهاية المطاف- سجلًا غير مكتوب لتاريخ الإنسان الشخصي، لا يخضع للنسيان التام، ولا يُمحى بسهولة، فهي الشاهد الصامت على ما كنّا عليه، وما أصبحنا عليه، وما سنظل نحمله معنا أينما ذهبنا، لتظل هذه الذكريات أرشيفنا الذي لا يغلق .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *