البلاد (القدس المحتلة)
أثار طلب العفو الذي تقدّم به رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، واحدة من أكثر الأزمات القانونية والسياسية حدة في تاريخ إسرائيل الحديث، وسط جدل واسع حول مستقبل سيادة القانون والديمقراطية في البلاد.
ومنذ بدء محاكمته عام 2020 في ثلاث قضايا تتعلق بالرشوة وخيانة الأمانة والاحتيال، ظل نتنياهو ينفي التهم الموجهة إليه، واصفًا التحقيقات بأنها “مطاردة سياسية” تهدف إلى إبعاده عن الحكم. غير أن تقديمه طلب عفو للرئيس إسحاق هرتسوغ شكل تحولًا استراتيجيًا مفاجئًا، لا سيما أنه يدرك أن مغادرته رئاسة الحكومة قد يضعف موقفه القانوني ويزيد احتمالات الإدانة.
المفاجأة الكبرى جاءت بدعم الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، الذي خاطب هرتسوغ طالبًا وقف المحاكمة، واصفًا الاتهامات بأنها”تفاصيل تافهة لا تستحق الإطاحة برئيس وزراء حليف”.
هذا التدخل أثار غضب معارضي نتنياهو الذين اعتبروا أن محاولة العفو تشكل ضغطًا على القضاء وتقويضًا للفصل بين السلطات، وأنها امتداد لمحاولات الإصلاح القضائي المثيرة للجدل والتي أدت إلى احتجاجات واسعة في أكتوبر 2023.
ويرى بعض القانونيين أن الخطر الأكبر يتمركز في”القضية 1000″، المتعلقة بتلقي نتنياهو هدايا فاخرة، والتي يعتبرها بعض الخبراء ضعيفة من الناحية الإجرائية. في المقابل، يذهب البروفيسور موشيه كوهين إليا إلى أن بعض التيار اليميني يرغب في استمرار المحاكمة للكشف عن حجم تدخل”الدولة العميقة” ضد نتنياهو، مشبهًا الملف بما يحدث مع قادة يمينيين عالميين مثل ترامب وبولسونارو ومارين لوبان.
تأتي حملة نتنياهو لنيل العفو في لحظة سياسية حرجة، قبيل الانتخابات العامة المقبلة، وفي أعقاب احتجاجات شعبية متصاعدة بسبب إخفاقات أكتوبر 2023، حيث يطالب الشارع بإجابات حول إخفاقات الأمن ومفاوضات الأسرى. ورغم دعوات المعارضة لاعتزاله السياسة مقابل أي عفو، يؤكد نتنياهو تمسكه بالبقاء في السلطة، مهددًا بتصعيد المواجهة مع خصومه السياسيين والمؤسسة الأمنية.
وتشير التحليلات إلى احتمال اعتماد “عفو مشروط”، قد يلزم نتنياهو بالاعتراف جزئيًا بالمسؤولية عن الإخفاق الأمني أو السماح بإجراء تحقيق رسمي في الهجوم، إلا أن هرتسوغ يواجه ضغوطًا متعارضة بين توصيات وزارة العدل، والشارع، والولايات المتحدة، والكتل اليمينية الداعمة لرئيس الوزراء.
ويتفق مراقبون على أن قرار العفو سيكون سياسيًا بقدر ما هو قانوني، وأن جذور الأزمة أعمق من أن تُحل بقرار رئاسي واحد. ويتوقع أن يزداد الانقسام بين اليمين واليسار، خصوصًا في ظل الجدل المستمر حول مستقبل الدولة الفلسطينية ومصير الحرب على غزة.
طلب عفو نتنياهو يثير غضب الشارع.. إسرائيل على حافة الانقسام
