مقالات الكتاب

مترو الرياض وحدائق الأندلس المبهجة

اخترت محطة مترو مدينة الملك فهد الرياضية أقصى الشرق كبداية رحلتي الأولى في مترو الرياض. تقع المحطة على مرمى حجر من استاد الملك فهد الدولي، الذي يشهد مرحلة تطويرية ضخمة؛ استعدادًا لبطولة كأس العالم 2034 التي ستستضيفها المملكة. المحطة جاهزة تقريباً لاستقبال آلاف المشجعين من جميع أقطار العالم، الذين سيخرجون من المحطة عبر الممر الواسع المؤدي إلى الملعب مباشرة عبر طريق الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة المحاذي للإستاد الضخم. ثم تأخذك الرحلة في القطار ذاتي القيادة إلى محطات جميلة تحمل أسماء أندلسية راقية ذات إيحاءات لغوية وتاريخية ثرية؛ مثل أشبيلية والحمراء وغرناطة والأندلس. تشعر بالفخر وأنت تسمع صوت الميكروفون وهو ينطق هذه الأسماء العربية التاريخية الجميلة. يجب هنا أن ننوّه بالذوق اللغوي الرفيع الذي تمتّع به موظفو الأمانة أو البلدية الذين اختاروا هذه الأماكن كأسماء للأحياء في الرياض أول الأمر، ثم اختيارها لاحقاً كأسماء لمحطات المترو. قرّرت النزول في محطة غرناطة بالقرب من الخط الدائري الشرقي في الحي الذي يحمل نفس الاسم، لكن المذيعة الداخلية للقطار نطقت الاسم بطريقة مختلفة عندما أضافت الياء إلى كلمة غرناطة ليصبح اسم المحطة غرناطية وليس غرناطة. اعتقدت أن هناك خطأ في النطق لأنها تختلف عن غرناطة التي تحمل الكثير من الثراء اللغوي، على الأقل كما تسمعه أذني. فحصت الاسم مرة أخرى على الجدران وعلى خرائط المترو فوجدته كما قالته المذيعة تمامًا. أليست غرناطة أفضل من غرناطية، خاصة وأن هذا الحي يحمل اسم غرناطة؟ تجاهلت هذه التفاصيل الصغيرة واتجهت نحو السوق الضخم الملاصق للمحطة حيث النفق الطويل الذي مازال تحت الإنشاء. اندهشت أمام الكفاءة العالية في التشغيل وسعدت بالدقة الكبيرة التي يتحرك فيها القطار في رحلات متلاحقة سريعة. واصلت رحلتي بشغف بعد أن بدّلت المسارات أكثر من مرة مراعيًا التوقيت الذي يكون فيه المرتادون في أعمالهم أو مدارسهم، لكن رغم ذلك لم أنجح في الحصول على مقعد في المحطات التي تقترب من وسط الرياض، أو في تلك المحطات التي يتوفر فيها أكثر من مسار؛ مثل محطات stc أو المركز المالي أو قصر الحكم. انتهت رحلتي في محطة قصر الحكم الجميلة التي تقع بالقرب من المنطقة السياحية التاريخية التي تضم قصر المصمك وجامع الإمام تركي بن عبد الله المعروف باسم الجامع الكبير، والأسواق الشعبية الجميلة التي يحتضنها المكان. تناول القهوة والشاي في قيصرية الكتاب أو المقاهي الشعبية المحيطة فرصة جميلة لتذوّق هذا المكان التاريخي الجميل.
الشيء المبهج والجميل في مترو الرياض هو ذلك الالتزام الكبير من قبل المرتادين؛ سواء كانوا من السعوديين أو المقيمين باحترام خصوصية المرأة وعدم مضايقتها في الجلوس في الأماكن المخصصة للعائلات. هنا فرضت الثقافة المحلية نفسها، وأصبحت علامة مميزة لمترو الرياض. كما لاحظت أن الكثير من المرتادين الشباب يتركون مقاعدهم للكبار احترامًا وتقديرًا. هناك الكثير من المظاهر المبهجة التي تتجاوز الجمال الأندلسي، وتستحق أكثر من رحلة وأكثر من مقال.

khaledalawadh @

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *