يقال إن كل إنسان عنده قصة درامية في حياته. لكننا نستهين بتسجيلها وكتابتها أو حتى قراءتها. وقد قال عمر بن الخطاب: إن الله نهج سبيله وكفانا برسوله (يقصد الكتاب والسنة) ولم يبق إلا الدعاء والاقتداء.
وإني كثيرًا ما أسمع العبارة الدارجة عند بعض الناس يقول “فلان ما عنده إلا ما عند جدتي”. حرام عليكم على جداتنا اللواتي كن ودودات عطوفات علينا كأمهاتنا. ومنهن من تستحق أن تكون قدوة تقتدي بها بناتنا.
ومن الرجال من سجّل سيرة حياته؛ فتستفيد الأجيال القادمة منه، فهو في ميزان حسناته، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة. والعكس صحيح.
وقد كتب الدكتورغازي القصيبي سيرة حياته بعنوان”حياة في الإدارة” وهو كتاب قيّم بحق. وتخصص عبد الرحمن الشرقاوي في كتابة السيرة بأسلوب جذاب؛ فألّف كتبًا عن الخلفاء الراشدين، وعن ابن تيمية، وعن الأئمة التسعة. وكذلك فعل الشيخ محمد أبو زهرة في كتب السيرة، وعن أئمة المذاهب الإسلامية، وعن ابن حزم وغيره. أما من أراد سير السابقين فعليه بكتاب سير أعلام النبلاء.
وفي رمضان الماضي، تمكّن أحد اللصوص من فتح باب سيارتي من جهة الراكب وفتشها- أيما تفتيش- ثم تركها لما لم يجد فيها إلا ثلاثة أو أربعة ريالات معدنية. وترك كنزًا ثمينًا رماه في الخلف، وهو كتاب عن عمر بن عبد العزيز؛ الخليفة العجيب الذي اقتدى بسيرة جده وسميّه عمر بن الخطاب.
يقول أهل القصص: إن أباه عبد العزيز، وكان أميرًا على مصر، سمع صائحًا يصيح في قصره: الحقوا الولد عمر؛ فإن الفرس قد رفسته، فهبط الأمير عبد العزيز مسرعًا إلى الاصطبل، فوجد ولده ينزف الدم من جبينه ففرح. نعم فرح؛ لأن الناس يتداولون قصة رؤيا منامية رآها الفاروق عمر ذات ليلة، فلما أفاق قال: سبحان الله، من هذا الذي يأتي من ولد عمر في وجهه شجّة يملأ الأرض عدلًا بعد أن ملئت جورًا. وقال الأمير عبد العزيز لما رأى الدم ينزف من جبين فلذة كبده: إن تكن أشج بني مروان إنك إذن لسعيد. وكان عبد العزيز هذا قد تزوج ابنة بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، فولدت له عمر. وفي عصرنا ألّف عبد الرحمن الشرقاوي الكاتب المصري البديع كتابًا فاخرًا بعنوان” خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز”.
أعود إلى اللص الذي اقتحم سيارتي في رمضان الماضي خلال صلاة التهجد؛ فأقول له: هداك الله هل يترك أحد مثل هذا الأثر الغالي؟ ولو عرفت مكانك لأهديتك إياه.
الاقتداء
