يحدث في أحيان كثيرة أن تخلد للنوم بعد يوم عمل طويل، ثم يوقظك هاتف من شركة المياه الوطنية يطلب فيها الموظف شخصياً منك تقويم خدمة فحص العدّاد، التي قدّمتها الشركة هذا الصباح. لم يكتف الموظف برسالتين وردتا إلى الهاتف، وأصرّ على المكالمة وكأنك تعمل في هيئة تقويم خاصة لصالح الشركة. تُرى، ما هي الدرجة التي ستعطيها للشركة في سلّم درجات تقويمٍ تبدأ من واحد إلى خمسة؛ حيث الرقم 5 يعني راض جداً والرقم 1 غير راض؟
هذا لا يعني أن هذا الهوس بالتقويم، وضمان الجودة خاص بشركة المياه، بل تقريباً في كل قطاع وكل شركة ومؤسسة. يقول أحد الطلاب في الجامعة أنه لم يتمكّن من الوصول عبر حسابه في النظام الإليكتروني إلى نتيجة المقررات، التي يدرسها إلا بعد أن يجيب على استبانة تقويم لأستاذ المقرر. من هو المجنون الذي سيقوّم أستاذه؟ ماذا لو عرف الأستاذ بطريقة ما اسم الطالب الذي قوّمه؟ ماذا سيفعل الأستاذ لو درّسه من جديد في مقرر آخر؟ سبحان مغيّر الأحوال؛ بعد أن كان المعلم يضرب طلاّبه بالعصا أصبح تحت رحمتهم وربما أوسعوه ضرباً بالسوط والعصا!
لا يشمل هذا الطالب فقط، وإنما يتعدّاه إلى الأستاذ نفسه الذي يقوم بتعبئة استبانات إليكترونية لا تنتهي حول الجودة إلى الدرجة، التي أصبح فيها تنفيذ متطلّبات الجودة والاعتماد الأكاديمي من معايير كفاءة عضو هيئة التدريس بحيث لا يمكن ترقيته أو التعاقد معه بدونها.
كما يمكنك أن تخرج من مستوصف خاص بطب الأسنان، وقبل أن تصل إلى مواقف السيارات وأنت تشعر أن فمك قد تحوّل إلى كرة قدم بفعل المخدّر، الذي أعطاك إياه الطبيب قبل علاج أسنانك يرن هاتفك معلنًا وصول رسالة قصيرة تطلب تقييمك للزيارة التي حدثت قبل قليل. ألا يمكن الانتظار حتى يعود الفم إلى طبيعته الأولى؟ ماذا لو كان الطبيب قد أخطأ هنا أو هناك؟ كيف يمكن لي كمريض أن أضمن أن انتقاد الطبيب أو الممرّض لن يضرّني عندما أفتح فمي للطبيب الغاضب مرة أخرى من تقييمي له في الزيارة السابقة؟
أحدهم عبّر عن إحجامه عن تقييم مستوى الخدمة للأطباء أو الممرضين أو العاملين في قسم شؤون المرضى؛ لأنه لا يضمن كيف يمكن أن يكون التعامل معه لو راجعهم مرة أخرى؛ فهو لا يعرف معلومات كافية حول مستوى الخصوصية، التي تتيحها هذه الاستفتاءات ومدى معرفة واطلاع المسؤولين في هذه المنظمات والمؤسسات عن شخصيات من يقوم بعمليات التقييم هذه.
وتستمر هذه الأسطوانة المملة في كل مكان، وعبر كل منصة حكومية أو خاصة. المفارقة الساخرة هي عندما يطلب منك أحد الموظفين تقييم مستوى الخدمة قبل انتهاء مكالمتك معه، وهو الذي أبقاك منتظرًا على الهاتف أكثر من عشر دقائق، ولم يتمكن من حل مشكلتك أو الإجابة على أسئلتك.
تأكد من إغلاق هاتفك جيداً قبل أن تقض مضجعك مكالمة تطلب منك تقييم مستوى الخدمة.
khaledalawadh @
