قبل أعوام، ضجّت الصحف الأوروبية باسم البرتغالي ريناتو سانشيز، بعد تألقه القصير في يورو 2016؛ قيل: إنه”موهبة الجيل”، وركضت خلفه كبرى الأندية، لكن سرعان ما تلاشى بريقه بعد انتقاله إلى بايرن ميونخ، ليصبح مثالاً كلاسيكياً على”اللاعب الذي سبقته شهرته إلى الملعب”، وفي دورينا، نتذكر كيف تم الترويج لبعض الأسماء مثل البرازيلي ماثيوس بيريرا حين جاء للهلال كـ”المايسترو المنتظر” بعد حملة إعلامية ضخمة، قبل أن يخفت بريقه سريعاً، ويغادر بصمت، ولوسيانو فييتو، الذي رُوّج له كجناح خارق بقدرات هجومية استثنائية، بينما لم يترك أثراً يُذكر في المسيرة الزرقاء. هي ذات القصة؛ لاعب مجهول يتحول فجأة إلى”صفقة الموسم”، وضجة إعلامية تسبق وصوله بأيام، ثم لا يلبث أن يختفي بعد أشهر قليلة، وكأن شيئاً لم يكن، وهذه الظاهرة لا تقتصر على السعودية، وليست حالات فريدة، ولكنها ظاهرة أو صناعة عالمية تتكرر كل موسم.
اليوم لا يُصنع نجم الكرة فقط في المستطيل الأخضر، بل في مكاتب الوكلاء، وغرف التحرير، وصفحات الـ”ترند” بظهور مفاجئ لأحد اللاعبين على الساحة، وكأنه اكتشاف كروي، ويبدأ الضجيج حول “اهتمام الأندية الكبرى” و”العروض الأوروبية”، قبل أن يوقّع عقداً ضخماً (في الغالب أكبر من قيمته الفنية)، حيث أصبح الوكلاء خبراءً في خلق الانطباع باستخدامهم للإعلام الجديد؛ كمنصة تسويقية فعّالة؛ حيث تبدأ اللعبة بتسريبٍ محسوب كخبر صغير عن مفاوضات أو عرض، ثم فيديوهات قصيرة تُنتقى بعناية لإظهار اللاعب في أفضل لحظاته، بعدها تدخل الحسابات الرياضية والمواقع في دوامة النسخ واللصق، فيتحول الترويج إلى”واقع” يُصدّق حتى داخل أروقة الأندية، ولا ننسى العلاقات الشخصية والسمسرة (من تحت الطاولة) التي تلعب دوراً كبيراً في مثل هذه الصفقات، وبذلك يتحول اللاعب إلى”فرصة لا تعوّض” رغم أن أداءه الحقيقي لا يبرر نصف الضجة، وفي أحيان كثيرة تكتشف الأندية- بعد التوقيع- أنها اشترت وهماً لامعاً، وأن اللاعب الذي رُفع إلى السماء إعلامياً لا يملك ما يكفي للاستمرار.
إنه تسويق غير مباشر، وأحياناً ملتوٍ، يعتمد على خلق”ضوء أكبر من الموهبة”. وكلاء يعرفون كيف يصنعون الانطباع، وبعض الإدارات التي تشتري الانطباع قبل أن تشتري اللاعب. والحقيقة.. الخطر لا يقع على الأندية فقط، بل على اللاعبين أنفسهم، فمن يرتفع بسرعة بلا قاعدة صلبة يسقط أسرع، والضوء المصطنع قد يضيء الطريق لحظة، لكنه لا يبدّل حقيقة أن الملعب لا يعترف بالإعلانات، بل بالأداء فقط.
صفقة لا تعوض
