مقالات الكتاب

التسويق الشخصي.. بين الواقع والزيف

مع تطور الحياة وتسارع إيقاع العصر، تتغير النفس البشرية وتتنوع مراحلها، لكل مرحلة عمرية سماتها وسلوكياتها وثقافتها. مرحلة المراهقة والشباب ليست كمرحلة النضج، أو ما بعد الستين، فالحياة دول، والأيام تتداول بين الناس، كما أرادها الخالق سبحانه”وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ”.
ومع هذا التطور الزمني، برزت في الآونة الأخيرة ظاهرة التسويق الشخصي بشكلٍ لافت، وصلت إلى حد المبالغة والاستعراض، الذي لا يتوافق مع قيم المجتمع الإسلامي والعربي؛ إذ بات البعض يسعى بكل ما أوتي من أدوات رقمية إلى إبراز نفسه وممتلكاته، لا من خلال ما يقدمه من عطاءات وجهود حقيقية، بل عبر إظهار ما يملك من سيارات فارهة، ومنازل فخمة، ومجوهرات، وسفريات فاخرة مدفوعة التكاليف ، هذه الظاهرة التي يراها البعض مصدر فخر تحوّلت لدى فئات من المجتمع إلى نموذج يُحتذى به للأسف، رغم أنها لا تستند إلى إنجاز واقعي أو قيمة مجتمعية ، وفي المقابل تبقى الأفعال الصادقة والمواقف النبيلة هي ما يخلّد أصحابها عبر الزمن، فالتاريخ لا يحفظ إلا من صنع قيمة وبصمة تتجاوز الذات، وما زلنا نقتدي بأخلاق نبينا الكريم- صلى الله عليه وسلم- ونذكر مآثر الصحابة والعظماء التي ثبت أثرها جيلاً بعد جيل.
ولا يمكن إغفال الدور الكبير الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي في توسيع رقعة هذه الظاهرة؛ إذ سهّلت وصول رسالة “الاستعراض” إلى جميع فئات المجتمع، وكرّست مبدأ أن الظهور أهم من الجوهر، وأن الشهرة قد تُنال دون بذل جهد أو تحقيق إنجاز، وأن مواجهة مثل هذا السلوك باتت ضرورة ملحّة، من خلال تقديم برامج توعوية فعّالة، وتعزيز دور الأسرة في المتابعة والرقابة، وتكثيف دور المنابر الإعلامية والدينية في تصحيح المفاهيم كما تقع على المؤسسات التربوية مسؤولية غرس القيم الأصيلة التي تكفل بناء أجيال لا تُغريهم المظاهر الزائفة، بل يسعون إلى التميز الحقيقي المبني على العمل والإبداع والإسهام في تقدم مجتمعاتهم.

ختامًا…
يبقى المجد الحقيقي هو ما يبقى أثره، وما ينطق به العمل لا الكاميرات، وما يخدم الوطن والمجتمع لا ما يُشبع رغبة شخصية في الظهور. فالقيمة ليست في ما نملك، بل في ما نقدمه.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *