تعيش الرياضة السعودية اليوم واحدة من أزهى مراحلها؛ من حيث الدعم الكبير، الذي تحظى به، والتطور النوعي الذي يشهده دوري روشن السعودي على مستوى التنظيم، والاحترافية، واستقطاب النجوم العالميين، غير أن ما حدث في لقاء النصر والفيحاء الأخير على ملعب الجامعة، ألقى بظلال ثقيلة على الصورة اللامعة للدوري، وأعاد للأذهان مشاهد مؤلمة ظنّ الجميع أنها طُويت مع دخول زمن التقنية والتحكيم المساعد بالفيديو (VAR).
القضية ليست في خسارة فريق أو فوز آخر، فهذه سنّة كرة القدم، وإنما في القرار التحكيمي الغريب الذي حسم نتيجة المباراة في لحظاتها الأخيرة، بعد احتساب ضربة جزاء مثيرة للجدل، من الحكم محمد الهويش، وبمساندة من حكم الفيديو ماجد الشمراني، اللذين تجاهلا لقطة أوضح من أن تُخفى. فالمدافع كريستيان كان على بعد خطوتين داخل منطقة الجزاء، ودفع خصمه بوضوح، في مشهد يستوجب عكس القرار تمامًا، لكن الحكم رأى غير ذلك، ليُحتسب الخطأ على الفيحاء ويخسر اللقاء بدمٍ بارد،
ردود الأفعال لم تتأخر؛ إذ تناقل اللاعبون الأجانب في الدوري مقاطع اللقطة بسخرية وتعجب، معتبرين أن مثل هذا القرار لا يليق بدوري، يُوصف بأنه من الأقوى آسيويًا والأكثر متابعة عالميًا. فالعالم اليوم يُشاهد الدوري السعودي، بعد أن أصبح قبلةً للنجوم والمواهب، وأي قرار تحكيمي غير موفق يُحدث صدى يتجاوز حدود الملعب والبلد.
وما زاد من مرارة المشهد أن ذاكرة الجماهير، أعادت عرض لقطة شهيرة في مباراة النصر والعروبة قبل سنوات، عندما لمس لاعب النصر الجزائري (مراد دلهوم) الكرة بيده داخل منطقة الجزاء، في مشهد لا يُنسى، وكان الحكم آنذاك أيضًا محمد الهويش. تكرار الأسماء والسيناريوهات جعل المتابعين يستحضرون السؤال المؤلم: هل تغيّر شيء رغم وجود التقنية؟
الخطأ وارد في كرة القدم، لكن الخطأ الذي يُعيد الجدل في زمن”الفار” يختلف في أثره وحجمه. فالتحكيم بات جزءًا من العدالة الرقمية، التي يفترض أن ترفع الشك والجدل، لا أن تثيره. إن ما حدث في تلك المباراة لا يمكن اعتباره مجرد سهو عابر، بل خلل في منظومة تقدير الحالة التحكيمية، واهتزاز في الثقة بمخرجات التقنية، حين تُسخّر لتثبيت قرار خاطئ.
إن الاتحاد السعودي لكرة القدم، وهو الذي يقود نهضة كروية غير مسبوقة، مطالب بأن يتعامل مع هذه الحالة بجدية تامة، لا من باب اللوم، بل من باب حماية صورة الدوري ومصداقيته أمام العالم. فالدوري الذي أنفق المليارات في سبيل التطوير، لا يستحق أن تهتز صورته؛ بسبب قرار تحكيمي يُفسد جمال المنافسة وعدالة الميدان.
ومثلما كانت لقطة دلهوم رمزًا لمرحلةٍ مضت من الأخطاء الفادحة، فإن لقطة “دفع كريستيان” يجب أن تكون ناقوس تنبيهٍ لمراجعة دقيقة، حتى لا يبقى المشهد عالقًا في ذاكرة المتابعين؛ كصفحةٍ سوداء في زمنٍ يُفترض أنه زمن النزاهة التقنية.
بين يد دلهوم ودفع كريستيان
