مقالات الكتاب

احتفالية المتحف المصري الكبير

كان افتتاح المتحف المصري الكبير لحظة تاريخية انتظرها العالم بشغف، وعلق عليها آمالًا لتقديم عرض يليق بمكانة مصر وحضارتها الممتدة عبر آلاف السنين. المكان وحده كان كفيلًا بخلق حالة وجدانية فريدة؛ الأهرامات شامخة في الخلفية، وأبو الهول يراقب بصمته العميق، والمتحف الجديد يفتح أبوابه كصفحة حديثة من كتاب الحضارة المصرية. ومع ذلك بدا أن روعة المشهد وعظمته لم تجد من يحولها إلى تجربة فنية تلامس الروح، وتستقر في الذاكرة والوجدان. كان التحدّي كبيرًا على المخرج وفريق العمل، لكن العظمة التي أحاطت بالمكان بدت وكأنها شلّت الخيال والإبداع بدل أن تحفّزه؛ فالكاميرات تحركت كثيرًا لكنها لم تمسك بخيط درامي بصري قوي، وبقيت اللقطات واسعة بلا روح، لا تنقل الشعور بالدهشة لدى الحضور والمشاهدين حول العالم، ولا تُظهر جمال المكان كما يستحق. المشاهد المصورة بدت وكأنها تبحث عن فكرة لم تكتمل، وعن إحساس لم يتجسد، ومع ذلك فإن أكثر ما أثار التساؤل هو الاختيار الموسيقي؛ فالموسيقى في مثل هذه اللحظات ليست خلفية فقط، بل هي روح الاحتفال وصوت الحضارة ولغتها التي تخاطب القلوب قبل العيون. كانت الموسيقى الفرصة الذهبية لتحريك الوجدان وبناء علاقة عاطفية بين الجمهور والحدث، ولخلق لحظة خلود صوتي تشبه ما قدمته مصر عبر تاريخها الطويل من ابتهالات وأناشيد دينية وطقوس ملكية تاريخية وموسيقى شرقية كلاسيكية أثرت العالم العربي، لكن تلك الفرصة ضاعت في إيقاع مرسل متكرر ونبرة نحاسية جامدة، لم تمنح المشاهد أي مساحة للدهشة أو التأمل والاستمتاع . سيطرت الآلات النحاسية على المقطوعات في تكرار رتيب يفتقر إلى العمق، وغابت الأوتار وغاب إحساس الروح الشرقية، وغابت موسيقى التاريخ التي كان يمكن أن تجعل اللحظة تلامس الوجدان العالمي. كان يمكن أن تمتزج الموسيقى الأوركسترالية العالمية مع نفَس فرعوني وروح شرقية تشبه هوية مصر الفنية ، لكن ما سمعناه كان أقرب إلى مقطوعة عسكرية منه إلى نشيد وموسيقي لحضارة ، ورغم ذلك؛ فإن النقد هنا يأتي بدافع الحرص وليس تقليلا من قيمة الإنجاز. فمصر تستحق احتفالًا موسيقيًا يليق بتاريخها، وتستحق أن تكون الموسيقى جسرًا بين حضارتها والعالم. ما زالت الفرصة قائمة في مناسبات قادمة، والمطلوب فقط أن تُعامَل الموسيقى كقلب الحدث لا مجرد خلفية له للتعامل مع عظمة المكان؛ فهي لغة الروح والوجدان، وأقوى وسيلة لخلود اللحظات في ذاكرة شعوب العالم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *