مقالات الكتاب

الهلال بين فوضى جيسوس وانضباط إنزاغي

لم يكن المشهد الهلالي في النصف الثاني من دوري روشن الماضي مألوفاً لجماهير الزعيم، التي اعتادت أن ترى فريقها متسيداً، متماسكاً، قادراً على فرض إيقاعه على أي خصم مهما كانت قوته. إلا أن الصورة انقلبت تماماً، فالهلال الذي كان يُخيف المنافسين أصبح صيداً سهلاً، يخسر تباعاً أمام الاتحاد مرتين، ويتعثر أمام الأهلي والنصر، في سيناريو لم يسبق أن عرفه النادي في تاريخه الحديث.
الأسباب لم تكن غامضة لمن تابع تفاصيل الأداء؛ فالفريق فقد هويته التكتيكية، وتاه بين خيارات مدربه البرتغالي”جيسوس” الذي لم ينجح في قراءة إمكانات اللاعبين ولا طبيعة الدوري السعودي. اعتمد على أسلوب مفتوح في العمق الدفاعي، وكأنه يواجه فرقاً متوسطة لا تمتلك أدوات الاختراق، بينما المنافسون الكبار عرفوا من أين تؤكل الكتف، فاستغلوا تلك الثغرات الواضحة؛ ليحققوا نتائج لم يكونوا يحلمون بها.
الأكثر غرابة أن جيسوس نفسه تغيّر أسلوبه تماماً بعد انتقاله لتدريب النصر، الفريق الذي يقوده ابن جلدته كريستيانو رونالدو؛ إذ لجأ إلى الواقعية التكتيكية، فلعب بمحورين دفاعيين؛ هما الخيبري وبروزفيتش، محافظاً على التوازن والعمق، وكأنه تعلم الدرس من تجربته السابقة مع الهلال. هذا التحول يضع أكثر من علامة استفهام حول أسباب تخبطه مع الزعيم، وما إذا كان يفتقر فعلاً للرؤية الفنية، أم أن هناك سوء توظيف داخلي، ساهم في تفاقم الأزمة، أم ماذا كان يريد المدرب التي تنامت أمامه علامات استفهام عديدة!!
ومع وصول الإيطالي فيليبو إنزاغي، تبدلت الملامح سريعاً، وعاد الهلال إلى هويته المعهودة: انضباط، وضغط منظم، وفاعلية هجومية مقنعة، بدا واضحاً أن إنزاغي أعاد ترتيب البيت الأزرق من الداخل، فكل لاعب يعرف موقعه وواجباته، ولا وجود للعشوائية التي طبعت فترة جيسوس، وتحديداً في النصف الثاني من دوري روشن الموسم الفارط. وبات الفريق أكثر تماسكاً في الشقين الدفاعي والهجومي، وعادت الروح التي غابت، فالهلال مع إنزاغي أصبح يلعب بعقلية البطل لا بردة الفعل، وما حدث أمام الاتحاد خير شاهد؛ حيث أعاده لدوامة الخسائر !!
تجربة الهلال الأخيرة تختصر دروساً كثيرة: كثافة النجوم لا تصنع فريقاً إن غاب الانضباط التكتيكي، والمدرب القادر على قراءة التفاصيل هو من يمنح الفريق شخصيته، إنزاغي لم يأتِ بعصا سحرية، بل أعاد الهلال إلى طبيعته التي يعرفها الجميع، فريق لا يرحم، منظم في دفاعه، قاتل في هجومه، وبين جيسوس وإنزاغي، يتجسد الفارق بين العبث الفني والرؤية الاحترافية، وبين من يرهق الفريق بخططه، ومن يحرره من الفوضى ليعيده للقمة.ويبقى السؤال المحير ماذا كان يهدف جيسوس من الأسلوب الفني الذي أضاع هوية الهلال والبطولات، التي كانت قريبة المنال من الأيادي الزرقاء،

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *