انتشرت عبارة (الزمن الجميل) وصارت لها أصداء ومقاطع وفيديوهات يومية تحظى باهتمام الملايين، الذين يعبرون عن حنينهم، وتمنيهم عودة الأيام الخوالي؛ ليس في مملكتنا الحبيبة فقط، بل في العالم العربي قاطبة وحتى في العوالم الغربية، فيا تُرى لماذا هذا الحنين المصحوب أحياناً بأنين لتلك الأيام، وذاك الزمن الذي نال تسمية الجميل؟ ولماذا صارت ذكرياته تنال إعجاب حتى الأجيال التي لم تعشه!! لا شك أن حاضرنا في مملكتنا الحبيبة جميل وسعيد- ولله الحمد؛ إذ يشهد تقدماً وخدمات حضارية راقية للمواطن والمقيم على حد سواء، وما نشاهده من تطور تقني غير مسبوق خطوات مذهلة هي الأجمل في تاريخ الدول في كل شيء؛ وهذا أمر طبيعي حين يسخر الله للوطن قيادة طموحة مخلصة، وشعبًا قويًا محبًا ينشد العلياء؛ وها هي المملكة تنافس أعظم الدول وأكبرها، وتحقق امتيازات كانت حلماً وأصبحت حقيقة!! والحمد لله؛ ومع كل هذا التقدم والحضارة تظل نفوسنا تحن لزمن مضى، حتى استحق بجدارة أن يطلق عليه (الزمن الجميل)!! الحنين إما لأناس كانوا هم حياتنا وبفقدهم فقدنا حلاوةً لا تعوض!! أو لمرحلة طفولة وشباب تملأنا بالذكريات التي ما أن تراودنا حتى تذرف الدمع مآقينا وتخفق قلوبنا طرباً!! إنها تلك المراجيح الخشبية، التي تنصب قبل الأعياد في حارات تقاربت القلوب فيها قبل البيوت حتى كأنهم عائلة واحدة! أو هوالشوق للتآلف والتآخي داخل البيوت وخارجها الذي كان سمة المجتمع في تلك الأيام، أم هي (سفرة الطعام) تلك التي نحلق حولها رغم كثرتنا مع عدد من الأطباق بسيط يكفينا ويفيض ليذوق جيراننا منه؛ ولم يكن هناك خشية قدوم ضيف؛ فالبيوت مباركة والضيوف يزيدونها بركة؛ حضور بلا موعد، أو تخطيط، واستقبال بفرح وترحيب، كانوا سعداء مع كل الأوضاع!! مبتهجين حامدين شاكرين كانت سمات الرضاء والقناعة تملأ الصدور؛ فالبيوت على صغر مساحتها تتسع لأهل الحارة والأقارب بكل رحابة صدر كانت العلاقات الأسرية أشد وأقوى لا يهزها موقف بسيط، ولا تؤثر فيها نميمة أو مفارقات ومظاهر!! قلوب نقية صلبة مليئة بالحب والإخاء والمروءة؛ في الماضي كانت الأصول يحسب لها ألف حساب وبناءً عليها يقاس الناس؛ فالوالدان والكبار والمعلم لهم قيمة لا يمكن التهاون فيها!! في المجالس لا يجلس الصغار وكبارهم وقوف!! لا يمشي الأبناء متقدمين والدهم أو أمهم!! لا يرفعون أصواتهم عليهم أو بحضرتهم!! لا يقومون من الطعام قبلهم أو قبل ضيوفهم!! لا يسخرون أو يتكلمون ويقهقهون بصوت مرتفع وعدم احترام؛ في وجودهم لا يدخنون أو يجلسون بطريقة غير لائقة!! في الزمن الماضي يعرف الصغار كيف يرحبون ويستقبلون ويؤدون الواجبات ويعتمدون على أنفسهم بكل ثقة؛ أكثر مميزات الزمن الجميل هي الآداب والعلاقات الصادقة القوية في البيوت، والحارات، والقبيلة، والمدينة، كانت البساطة سمة المناسبات وديدن الضيوف والمضيفين؛ أهل الزمن الجميل رجالاً ونساء لا تلهيهم تفاهات أو مشاغل عن واجباتهم الأساسية، كانت الأسرة تمتد من جهة الأب والأم امتداداً يشمل ذوي الصلة من الجهتين!! وكان أهل الحارة كالجسد الواحد!! وكان (الحياء) هو العنوان الكبير في حياة أهل الزمن الجميل! مجالسهم يسودها الإصغاء وتبادل الأحاديث الشيقة ومجالس اليوم يغلبها الصمت ليتحدث كل الجالسين مع جوالاتهم!! الجميع يشتاق لآداب وأصول الزمن الجميل لعلها تعود!! كم نتمنى أن نزين جمال الحاضر بجمال الماضي وأن تسخر التقنية لتكون الحياة والناس معها هم الأجمل ودمتم. (اللهم زد بلادنا عزاً ومجداً وزدنا بها عشقاً وفخراً).
بين الماضي والحاضر.. الجميل والأجمل!!
