قد يحدث في أحيان نادرة أن تكتب رسالة عبر الهاتف تنتقد فيها، أو تسب أو تشتم شخصاً آخر، لكنك بشكل خاطئ ترسلها لنفس الشخص معتقداً أن مثل هذا الخطأ الكارثي لا يمكن أن يحدث معك. كما يمكن أن تستلم دعوة عبر الهاتف بالخطأ للانضمام إلى مجموعة واتس أب إلكترونية لم تسع إليها أبداً. هذه الأخطاء تحدث في الواقع لكن أن يكون الخطأ بحجم ما عاشه جيفري غولدبيرغ، رئيس تحرير مجلة “ذي أتلانتيك” فهذا حدث نادر بالفعل.
يبحث الصحفي عادةّ عن قصصه بصعوبة، ويتكبّد المشاق من أجل الحصول عليها ويقدّمها لرئيس التحرير لنشرها، لكن هذه المرة جاءت القصة بقدميها إلى رئيس التحرير نفسه وهو هنا غولدبيرغ، الذي استلم رسالة عبر الهاتف من مايكل والتز، مستشار الأمن القومي في أمريكا، للانضمام إلى مجموعة في تطبيق “سيغنال” تضم كبار الموظفين، كان أعلاهم منصبًا نائب الرئيس جي دي فانس، ووزير الدفاع بيت هيغسيت، وآخرون من ضمنهم رئيس المخابرات المركزية. لم يكذّب هذا الصحفي الخبير الخبر؛ فقبل الدعوة وفتح أذنيه وعينيه جيداً كأي صحفي يستغل هذه الفرصة الذهبية، التي تجعله يحرز سبقاً لم تحرزه النيويورك تايمز أو الواشنطون بوست أو غيرهما. كان الجمع يناقشون شن ضربات عسكرية ضد أهداف حوثية تحت سمع وبصر هذا الصحفي، الذي اعتقد أول الأمر أن هذا كمين؛ لأن علاقته بالبيت الأبيض متوترة، أو أن هذا الأمر مجرد خدعة لأنه من غير المعقول أن يتصرّف هؤلاء بهذه الطريقة.
ربما كان أخوف ما يخافه أعضاء هذه المجموعة أن يسمع صحفي هذا الحديث؛ فما بالك برئيس تحرير كان ينتظر مثل هذه الفرصة على أحر من الجمر. لم يخرج هذا الصحفي الخبير من المجموعة؛ فقد كان يحاول التأكّد من موثوقية الأعضاء، وأن القصة التي أمامه حقيقية. لم ينتبه لوجوده أحد ولم يغادر المجموعة، وإنما بقي صامتًا يسجّل كل شيء بما فيها الرموز أو الإيموجي التي يرسلها الأعضاء بعد كل طلعة جوية. لقد كان غولدبيرغ يتابع الحديث في هذه المجموعة ثم يتابع الأخبار عبر شبكات الأخبار والتواصل؛ ليتأكد من تطابق ما يقرأه في هذه المجموعة مع ما يشاهده في الواقع.
المعلومات التي حصل عليها هذا الصحفي الخبير تتضمّن تفاصيل دقيقة، لكنّه رأى بحسه الصحفي أهمية أن يطّلع الناس على الكيفية، التي يتم فيها اتخاذ القرارات، وأن من واجبه كصحفي سنحت له هذه الفرصة النادرة عن طريق الصدفة أن يكشف الأمر للناس بعد التأكد من أن النشر لا يخالف القانون، ولا يهدّد الحياة العامة أو الأشخاص أو الأمن الوطني.
نشر رئيس التحرير الخبر المثير في الصفحة الأولى في حلقتين مثيرتين، وانتشر في كل أصقاع العالم، وأصبح اسم هذا الصحفي ومجلته ماركة مسجلة للصحافة الحقيقية التي تتمتع بالموثوقية والشجاعة.
khaledalawadh @