مقالات الكتاب

كيف تقيم دوري كرة قدم؟

تتصدر نقاشات كرة القدم العالمية قضية (تصنيف الدوريات) وتقييم قوتها وجودتها، لكن ما يغيب أحيانًا عن الطرح هو أن هذه العملية ليست حسابًا بسيطًا يمكن اختزاله في رقم أو معيار واحد. فكل دوري يخضع لمزيج من المؤشرات، تختلف أولويتها باختلاف المرحلة الزمنية والهدف الإستراتيجي .
اليوم، توجد عدة مدارس لتقييم الدوريات الاتحاد الأوروبي يعتمد على نتائج الأندية قارياً، بينما يركز مركز الدراسات الرياضية (CIES) على المؤشرات الكمية مثل القيمة السوقية للاعبين ومعدل الأعمار. من جهتها، تضع تقارير ديلويت المالية معيار الإيرادات والبث والرعايات في المقدمة ، لكن هل يمكن الاعتماد على أحد هذه المعايير بمفرده؟ الإجابة لا فـالقوة التنافسية مثلاً، رغم أهميتها في إبراز الإثارة داخل الدوري، لا تعني الكثير إذا لم ترافقها نتائج قارية. وهنا يظهر التحدي في دوري روشن فالهلال هيمن على اللقب في أغلب المواسم الأخيرة، بينما قلة تنوع الأبطال تقلل من صورة التوازن التنافسي .
أما جودة اللاعبين، فقد قفزت بشكل هائل مع وصول أسماء عالمية؛ مثل رونالدو ونيمار وبنزيما، لكن معدل أعمار اللاعبين الأجانب ما زال مرتفعًا (26.9 سنة مقابل هدف مستقبلي هو 25.5)، مما يكشف أن الاستثمار في المواهب الشابة ما زال بحاجة إلى تسريع ، وفي المقابل، يعكس معيار (النتائج القارية) صورة مختلفة: الهلال وصل إلى نهائيات دوري أبطال آسيا أكثر من مرة، والنصر والاتحاد قدما حضورًا معتبرًا، وهذا يعزز السمعة الدولية للدوري. أما (القوة المالية) فهي واحدة من أبرز نقاط التميز، مع ارتفاع حقوق البث، وزيادة الرعايات، وضخامة عقود النجوم مقارنة بمعظم الدوريات خارج أوروبا .
ما يجب أن ندركه أن المعايير لا تنفصل عن بعضها فهي شبكة متداخلة تعكس الصورة الكاملة للدوري وإهمال معيار واحد قد يخلق انطباعًا مضللًا ولهذا، فإن النظرة الانتقائية التي ترفع دوريًا لمجرد وجود النجوم، أو تقلل من قيمة آخر بحجة ضعف الشعبية، لا تُنصف الواقع فكل دوري يصمم أولوياته الخاصة، والدوريات الأوروبية العريقة تركّز على استدامة المنافسة القارية، فيما يضع دوري روشن الأولوية اليوم على جذب النجوم العالميين، وبناء قاعدة إعلامية وجماهيرية عالمية. أما المرحلة المقبلة- من المفترض- أن تعطي اهتمامًا أكبر بالفئات السنية واللاعب المحلي لتحقيق التوازن والاستدامة .
تصنيف الدوريات ليس ثابتًا، بل هو عملية ديناميكية تتغير بمرور الوقت، وما يُعدّ إنجازًا في مرحلة معينة قد لا يكون كافيًا بعد سنوات. لذلك، فإن النقاش حول قوة أي دوري لا بد أن يكون متوازنًا، قائمًا على شمولية المعايير وتكاملها، مع إدراك أن النجاح لا يُبنى على عامل واحد، بل على منظومة متكاملة تتحرك بخطوات مدروسة نحو المستقبل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *