هذه الدنيا تمرّ سريعًا كالسحاب، وتمور مورًا، ونحسبها جامدةً وهي متغيرة، وقد نشعر بتغيراتها وقد لا نشعر بها إلا بعد زمن. كما يحدث في عمر الإنسان، فلا يشعر بتأثيرات الأيام إلا بعد رؤية التجاعيد وآثار الشيب والعجز. وهذه حقيقة ندركها، ونشعر بها في الواقع عندما نقارنه بالماضي وتغيراته في الكلمات والمباني والشوارع والمكوّنات الحضارية والمدنية والاجتماعية، والعادات والتقاليد، والأعراف، ولهجة اللسان، وحديث الكلمات، ومخارجها في القول، والتسكين، والغُنّة، والضمة، والفتحة، والكسرة، وغيرها.
وهذا فعلاً ما يحدث، وقد أدركت ذلك حقيقة وواقعًا، عندما هممتُ وقررتُ جمع عدد من الكلمات المتداولة قديمًا، والتي ما زال بعضها محفوظًا في ذاكرة الرعيل الأول، الذي لا يزال متمسكًا بكلمات الزمان الأول رغم متغيرات الحياة والصراع بين جيلين.
وفعلًا، بعد أن جمعت عددًا من الكلمات والجمل المستخدمة قديمًا وتحدثت بها مع بعض الشباب، استغربوا منها ولم يعرفوها، فاستغربت أنا كذلك من حديثي ومن ردة فعلهم، ومن عدم معرفتهم للكلمات التي تحدثت بها ومعانيها. ومن خلال ذلك، عزمتُ على حفظ تاريخ الكلمات ولهجاتها، خاصة بعد أن علمتُ خلال بحثي أن لكل منطقة كلمات قد تتشابه في النطق وتختلف في المعنى.
وفي الختام، وللتأكيد، سأذكر بعض الكلمات، التي قد تخص منطقتي خاصة، وربما تكون بعضها شاملة ومتداولة بمعناها المعروف أو بمعانٍ أخرى. لكن ما أذكره من أمثلة أؤكد فيه أن الكلمات تتغير وتتداخل مع اللهجات والألسنة الأخرى واللغات.
ومن هذه الكلمات:
“ما شفت، ما رأيت، ما عينت، محدّ تعدّاك من هنيه…”
وردّ عليه: “قال كود وخمني ذوان أندس، وهو أرعه هنياك، مقعي بلبط الحبل، واللديد الغادي، وإذا لبت، مسند أرعه، منسدح حول الدشّة عند الكشعة…”.
وكذلك من الجمل: “بلا نقّاضة”، “وما على الحوار من هبدت أمّه”،
وأيضًا من الجمل والأسماء المندثرة: “هذِي غَزِيّة”، “وهذه خوصة”، “ومن جاب الموجود سلم من المنقود”.
وبعد أمثلة هذه الكلمات والجمل، لعلّنا أدركنا التغير الذي حدث في لهجاتنا العربيّة الشعبيّة المتداخلة، وهذا ما يحدث ويستمر في كلّ اللغات عامة.
ولكن لغتنا العربية، شرفها الله بالقرآن الكريم، فحفظها سبحانه،
ولم يتغير منها إلا الكلمات المتداخلة مع لهجاتٍ أخرى.
والله المستعان، وأعلى وأعلم.
lewefe@
