مقالات الكتاب

حيل شركات الاتصالات.. عندما تتآكل الثقة ويضيع حق المستهلك

أصبحت الممارسات التسويقية لبعض شركات الاتصالات في المملكة تثير قلقًا متزايدًا، وتُلقي بظلال من الشك على مدى التزامها بمبادئ الشفافية وحماية حقوق المستهلك. هذه الممارسات، التي تتستر وراء عروض جذابة، غالبًا ما تُفضي إلى رفع التكاليف بشكل غير مباشر على المشتركين، وتُفقدهم الثقة في هذه الشركات على المدى الطويل.
من خلال متابعتي الدقيقة لسوق الاتصالات، لاحظتُ أن هناك عدة طرق تلتف بها الشركات لزيادة الأرباح على حساب جيب المستهلك. أولاً، تقليص مدة الباقة من 30 يومًا إلى 28 يومًا، وهي حيلة بسيطة لكنها تعني أن العميل يدفع فعليًا قيمة 13 شهرًا في السنة بدلاً من 12. ثانيًا، إزالة بعض التطبيقات الشائعة الاستخدام من باقات الشبكات الاجتماعية، مما يجبر المستخدم على استهلاك بياناته الأساسية أو شراء باقات إضافية. ثالثًا، تطبيق سياسة الاستخدام العادل بشكل قد يكون مبالغًا فيه، وتقسيم سعة الباقات بطريقة لا تتناسب مع احتياجات المستخدمين، فعلى سبيل المثال، قد تُعرض باقة بسعة 10 جيجابايت، ليتضح لاحقًا أنها مقسمة إلى 5 جيجابايت للإنترنت و5 جيجابايت لشبكات التواصل الاجتماعي. وأخيرًا، عدم إمكانية ترحيل المتبقي من ميزات الباقة للشهر التالي (Roll-Over)، وهو ما يُعد حرمانًا للمشترك من حقه في الاستفادة الكاملة مما دفعه.
هذه الحيل، وإن كانت تُحقق أهدافًا قصيرة المدى للشركات من حيث العمولات وتحقيق الأهداف التسويقية، إلا أنها تضرب عمق الثقة التي يجب أن تسود بين مقدم الخدمة والمستهلك. الإعلان نفسه عن الباقة وتسعيرها في كثير من الأحيان، أعتبره مضللاً.
لقد واجهتُ شخصيًا أحد هذه الأمور، بل وتجاوز الأمر مجرد تضليل في الباقات. فقد تعرضتُ لاحتيال من قبل إحدى شركات الاتصال، عبر برنامجهم للولاء، حيث تم الإعلان عن إمكانية رفع شريحة الولاء إلى “شريحة ماسية” مقابل نقاط معينة. قمتُ بشراء النقاط، ولكن الشركة لم توفِ بما أعلنت عنه. للأسف، عندما قدمتُ شكوى إلى هيئة الاتصالات، لم يتم البت فيها بحجة “عدم الاختصاص” لأنها تتعلق بـ”الاحتيال المالي”، وهو ما أراه قصورًا في نظام التعامل مع شكاوى المستهلكين. تهربت الشركة من كافة الشكاوى التي قدمتها ورفضت فتح أي شكوى رسمية. وفي نهاية المطاف، اضطررت لتقديم شكوى في هيئة الاتصالات تحت مسمى “عدم الوفاء بخدمة مقدمة رغم سداد المقابل المالي” عبر إنشاء تذكرة، ولكن يبدو أن هذا النظام يعاني من عطل، فإلى يومنا هذا، لم أستلم أي رقم للشكوى، ولم أتلقَ أي اتصال من الشركة المعنية أو الشركات الأخرى التي أواجه معها مشاكل مماثلة.
إن ما حدث لي يسلط الضوء على ثغرات جدية في نظام حماية المستهلك. فإذا كانت هيئة الاتصالات، وهي الجهة المخولة بحماية حقوقنا، لا تستطيع التعامل مع شكاوى الاحتيال المالي من شركات الاتصالات أو ضمان متابعة الشكاوى بشكل فعال، فمن يحمي المستهلك إذًا؟
في هذا الصدد، أجد من الضروري الإشارة إلى نظام الاتصالات في المملكة، الذي يهدف في أساسه إلى حماية مصالح المستخدمين. على سبيل المثال، تنص المادة الخامسة من نظام الاتصالات الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/12 وتاريخ 12/3/1422هـ على أن “تهدف الهيئة إلى تنظيم قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات في المملكة بما يكفل حماية مصالح المستخدمين”. كما تؤكد المادة السادسة على ضرورة “عدم قيام مقدم الخدمة بتقديم أية معلومات مضللة أو غير صحيحة للمستخدمين”. هذه المواد، وغيرها في النظام، تضع إطارًا واضحًا لحماية حقوق المستهلك، ولكن التطبيق الفعال والرقابة الصارمة هما ما نفتقر إليه في نظري.
لذلك، فإنني أدعو إلى توسيع صلاحيات هيئة الاتصالات في الرقابة، ومنحها قوة أكبر في التنفيذ لضمان حفظ حقوق المستهلكين. فالثقة بين المستهلك ومقدم الخدمة هي الركيزة الأساسية لنمو أي سوق، وبدونها، ستظل شركات الاتصالات تفقد مصداقيتها يومًا بعد يوم، ويظل المستهلك هو الحلقة الأضعف في هذه المعادلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *