قبل أيام، طار خبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي يفيد بأن الجهات المختصة ستخصص مواقف مريحة للسيارات تخدم كبار السن والمتقاعدين.
لا يمكن إنكار أهمية هذه الخطوة التي تهدف إلى توفير الراحة البدنية لهذه الفئة، لكن المتقاعدين إلى جانب هذا النوع من الرفاهية، يتطلعون إلى تحقيق متطلبات أكثر عمقًا تمسّ احتياجاتهم المادية والصحية، فهم بحاجة إلى ضمانات تريح بالهم وتمنحهم الاستقرار النفسي، ممّا يعزِّز شعورهم بوجود جهات واعية وصادقة وقادرة، تعمل بجد على تأمين حياة كريمة لهم بعد سنوات طويلة من العمل والتضحيات.
لقد ساهم المتقاعدون خلال حياتهم المهنية في بناء المؤسسات والمنظمات التي عملوا فيها حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم.
واليوم يتسلم زمام القيادة جيل جديد يتمتع بمزايا ورواتب تفوق بكثير ما كان يحصل عليه المتقاعدون. هذا التفاوت يبرز الحاجة الملحة لإعادة تقييم أوضاع المتقاعدين، وضمان حياة كريمة لهم تعكس حجم جهودهم السابقة.
هناك ثلاثة متطلبات أساسية لتحقيق رفاهية وطمأنينة المتقاعدين:
أولاً: تمثل المعاشات التقاعدية المصدر الرئيسي لدخل المتقاعدين وتستخدم لتغطية احتياجاتهم المعيشية والرعاية الصحية، لكن مع تصاعد معدلات التضخُّم، وغلاء المعيشة، تتآكل القيمة الحقيقية لهذه المعاشات، ممّا يجعل من الضروري إجراء زيادات دورية لمساعدتهم على مواجهة الأعباء المالية المتزايدة.
لذلك تدرك العديد من الحكومات والمنظمات حول العالم أهمية تعديل المعاشات لتتماشى مع الظروف الاقتصادية المتغيرة، مّا يعزِّز الاستقرار المالي للمتقاعدين، ويمنحهم القدرة على تلبية إحتياجاتهم اليومية دون معاناة.
ثانيا: القروض التمويلية تعتبر وسيلة إنقاذ حيوية للمتقاعدين، حيث تتيح لهم تلبية احتياجاتهم مثل السكن، ووسائل النقل والمصاريف الطارئة، لكن للأسف غالبًا ما ترفض البنوك والمؤسسات المالية منحهم القروض بسبب أعمارهم المتقدمة، ومحدودية دخولهم، واعتبارهم ضمن فئة المخاطر العالية.
وبالرغم من ذلك، يمكن للأنظمة المالية الحديثة تجاوز هذه القيود من خلال تصميم خطط سداد مرنة، وتقديم ضمانات تأمينية تغطي المخاطر المحتملة، كما أن التغير في التركيبة السكانية، وزيادة متوسط الأعمار المتوقعة، يجعل نسبة كبيرة من المتقاعدين قادرين على السداد بفضل صحتهم الجيدة ونشاطهم المستمر. إن تشجيع تقديم القروض للمتقاعدين، يتطلب دورًا محوريًا من صناع السياسات المالية في البلاد، من خلال زيادة المعاشات، وتوفير قروض ميسرة دون سقوف عمرية، ما سيخلق بيئة حاضنة تضمن لهم الأمان المالي والاعتراف بقيمتهم في المجتمع.
ثالثا: يمثل التأمين الطبي الشامل للمتقاعدين حجر الزاوية في رفاهيتهم، وهو ضرورة إنسانية وأخلاقية واجتماعية بعد سنوات طويلة من العمل والبناء. يحتاج المتقاعدون إلى نظام صحي مرن وشامل ومتكامل دون تعسف شركات وبوالص التأمين ونوعيتها، بحيث توفر لهم الرعاية المطلوبة في أصعب مراحل حياتهم.
هذه المسؤولية لا تقع فقط على الحكومات، بل تشمل أيضًا المنظمات والشركات وحتى المجتمع بأكمله. فالتأمين الطبي الشامل يعكس تقدير المجتمع لإسهامات المتقاعدين ويمنحهم الطمأنينة التي يستحقونها.
لذلك، يجب أن يتجاوز الاهتمام بالمتقاعدين مجرد توفير خدمات سطحية، فالأمر يتطلب سياسات واستراتيجيات مدروسة تستند إلى قيم وأخلاقيات تعزِّز التقدير لهذه الفئة، ويجب أن تكون مخرجات هذه السياسات، منتجات مالية وصحية مبتكرة تمنح المتقاعدين الطمأنينة، وتؤكد للأجيال القادمة أن هناك من يحرص على رعايتهم في مراحل حياتهم المقبلة.
أخيراً ، تلبية احتياجات المتقاعدين ورفاهيتهم ليست مجرد مسؤولية تقع على عاتق الجهات المختصة، بل هي انعكاس لقيَّم المجتمع، ووعيه بدور هذه الفئة في بناء الحاضر والمستقبل.