جاء زيد بطفله إلى المسجد وهو دون حفاظة، فبال الطفل فوق السجاد، وأبوه في الصلاة. وتطوع أحد ملازمي المسجد، فجاء بعلبة صابون “فيري” ورشّها على موضع النجاسة، ثم ساعده سادن من سدنة المسجد، فجاء بمناديل كثيرة، وأخذ الاثنان يتعاونان على تنظيف المحل، بينما خرج زيد مع ابنه كي يتصرف مع الولد في الحمامات، حتى لا تتنجَّس سيارته التي جاء عليها.
وقابلت هذا الملازم -جزاه الله خيراً- وقلت له: هاتوا ترابا من خارج المسجد لسكبه على المكان، وبعد أن يجف الموضع، كنِّسوا التراب. قصدت أن أقول له القاعدة :”جاف بجاف طاهر بلا خلاف” أي إذا دخل داخل، ووضع قدمه جافاً على الموضع الذي بال عليه الطفل، فذلك لا يضر. فلم يقبل السادن مني كلاماً بل أخذ يردِّد الحديث الشريف بما معناه: إذا بال أحدكم في المسجد، فرشُّوا عليه سجلاً من ماء، فذلك طهارة له. لكن المسجد النبوي الشريف -كما يعلم القراء-، كانت أرضيته من تراب، ولم يكن فيه بلاط أو رخام وفوقه سجاد. فالتراب يمتص والعين والأثر والرائحة، أما السجاد إذا ذهبت منه العين، تبقى الرائحة. والحل هو طي السجادة المتلوِّثة وحملها إلى مغسلة وإعادتها بعد تنظيفها. والبديل الأفضل أن يتطوع أحد الموسرين بسجادة جديدة مكانها. أو إلزام والد الطفل بقيمة سجادة جديدة غرامة له على إدخال طفله بلا حفاظة إلى بيت الله.
لكن زيداً عاجز في هذه الظروف عن شراء سجادة جديدة. ولنفترض أن السادن اتصل بالشرطة لتأديبه. وعند ما تأتي سيارة الشرطة، يدفع زيد بالقول: لو كنت أقدر لاشتريت سجادة جديدة دون طلب. فيسأله الشرطي: هل تستطيع ذلك بالتقسيط؟ فيرد بالنفي. والشرطي الحكيم لا يمكنه أن يحبس زيداً ولو بضع ساعات خشية أن يبول ولده في التوقيف. فيكتفي الشرطي بأخذ تعهد من زيد بأن لا يأخذ ابنه إلى المسجد إلا بعد أن يتأكد أنه مميز، يعقل ما هو الصواب وضدّه.
قال لي عمي عبد الله حسن -رحمه الله- وقد درس الفقه في تريم وعمل قاضيا في شبوة نحواً من عشرين سنة دون أن يجد أبوه الفقيه حسن بن محمد -رحمه الله- خللاً في أقضيته: القاضي ينظر إلى سلامة العاقبة. فمن سقط من عمارة ووقع على سيارة مركونة عند العمارة فمات، فإن صاحب السيارة ملزم بالدية تحت مبدأ سلامة العاقبة. نعم لك أن تستفيد من سيارتك كمغنم لا ضرر فيه على أحد. فإذا وقع الضرر، فعليك المغرم، كما استمتعت بالمغنم.
ذلك أن حريتك تنتهي حيث تبدأ حرية إخوانك المسلمين وإخوانك في الإنسانية. لا ضرر ولا ضرار.
ونحن نتداول العبارة: الغلط مرجوع. لكن كيف يصلح زيد تبوُّل ولده في المسجد وهو فقير؟ هل يحرس سادن المسجد مسجده من الأطفال كما يحرسه من القطط؟