في ثمانينيات القرن الماضي، كنا نجهز ونستعد لأول مؤتمر للتسويق في الخطوط السعودية، والذي انعقد في مدينة الطائف تحت شعار “الانطلاقة.”، كان هذا المؤتمر أول لقاء يجمع مدراء قطاع التسويق بحضور المدراء التنفيذيين في المؤسسة. كان يعمل بيننا زميل مصري اسمه الأستاذ جمال البطل – رحمه الله-. قبل أسبوعين تقريباً من المؤتمر، اكتُشف أنه يعاني من مرض عضال في أحباله الصوتية، ممّا استدعى عملية جراحية عاجلة وهو ما يعني فقدانه لصوته بشكل كامل. رغم محاولاتنا لإقناعه بعدم تأجيل العملية، إلا انه أصر على إتمام مهامه في المؤتمر قبل الخضوع للجراحة.
كان هذا القرار مؤلماً له ولنا، لكنه جسّد فيه قمة التضحية؛ فقد اعتبرناه بطلاً لا يُنازع. انعقد المؤتمر وحقق نجاحاً باهراً بفضل جهوده وجهود الزملاء في ادارة تدريب التسويق . بعدها، عندما حان موعد العملية، واجهتنا مشكلة أن النظام لم يكن يسمح بتحمل تكاليفها. وعندما علم المدير العام للمؤسسة، المرحوم الكابتن أحمد مطر، بتضحيات الأستاذ جمال البطل، أمر بتوفير كل التسهيلات الطبية لرعايته. أجريت العملية وفقد صوته للأسف. فقمنا كزملاء بمساندته وشراء جهاز يساعده على التحدث من خلاله، رغم أنه لم يكن بديلاً كافياً لصوته الطبيعي.
تذكرت هذه الواقعة عندما قرأت مؤخراً عن اختراع جديد، وهو عبارة عن قطعة لاصقة توضع على الحنجرة لمساعدة من فقدوا صوتهم. طُوِّر هذا الابتكار بفضل الهندسة الحيوية والذكاء الاصطناعي وتقنيات تعلم الآلة، حيث تستجيب اللاصقة لحركة عضلات الحنجرة وتحولها إلى صوت طبيعي.
هكذا تعود بنا الذاكرة إلى البطولة؛ التي تعني الإعجاب بأولئك الذين يمتلكون شجاعة وقدرة فائقة على التحمل والصبر في مختلف مجالات الحياة. والبطل في ذاكرتي هو الأستاذ جمال البطل. ذلك الرجل النبيل والشجاع، الذي جسد نموذجاً يُحتذى به في التضحية والصبر.