الصديق الدكتور طلال بنان ذكر لي ذات مرة أنه يبني مقاله الأسبوعي في ستة أيام وهو في تقديري ضعف عدد كلمات مقالي هذا. وسجل الصحفي الراحل مصطفى أمين أنه ينشئ في عشر دقائق عموده اليومي في جريدة “الأخبار” المصرية، وهو في حدود ألف كلمة أو أكثر.
وسألت الصديق عبد الكريم يعقوب عن المدة التي كان الأديب المؤرخ الأستاذ محمد حسين زيدان يملي عليه مقالاته فقال لي: أستاذي الزيدان -يرحمه الله- كان حاضر الفكر، جيَّاش العاطفة، إذا بدأ الإملاء لا يتوقف كلامه حتى يملي مقالته في دقائق معدودة، لكنه أحياناً يبكي كالطفل إذا تذكر موقفا حزيناً. وحدث ذلك أمامي أكثر من مرة. ثم يواصل الإملاء. وقد يتصل عند الحاجة بإحدى بناته لتقرأ عليه ما يبحث عنه. وكل شيخ وله طريقته.
أما هذا العمود، فإني أقوم بتشييده في 400 كلمة، ويستغرق مني ست ساعات من بداية قدح زناد الفكرة حتى الانتهاء من الحفر والتأسيس والتنقيح والتطرية والتزيين على جهاز الحاسوب.
وقد كتب إلي الأستاذ عدنان قاضي مشكوراً معقِّباً على مقال الأسبوع الماضي، بعنوان: “طريق الطائف”، فقال: طريق مكة الطائف القديم ويسمى اليمانية، كان ترابياً. وكان هناك جبل بعد قرية السيل الكبير،عويصاً، ويسمى جبل أبو مخروق. وكان ضيقاً في أعلاه، بحيث لا يمرَّ منه إلا لوري (أو ونيت واحد). كان الطريق يأخذ منا يوماً كاملاً للوصول للطائف، بحيث كنا أحياناً نبيت في السيل الكبير، أو السيل الصغير، لكي ندخل الطائف في النهار حتى نستأجر بيتا للصيفية. ثم شقوا طريقاً جديداً طريق الكر وسمي به. وأحياناً طريق الهدا. كانت هناك سيارة صغيرة وحيدة فورد سوداء يملكها العم حسن حريري -رحمه الله- ولي ذكريات مع تلك السيارة والعم حسن.
وعودة إلى الدكتور طلال بنان، إذ كتب لي: أتذكر وعمري ثماني سنوات، أننا ذهبنا إلى الطائف في طريق الهدا، وكانت أعمال الطريق على قدم وساق. لقد استمرت الرحلة أربعة أيام، لأنه كلما يفتح جزء من الطريق، يفتح لفترة قصيرة ثم يغلق ليعاود العمل فيه وهكذا، حتى تمكنا أخيراً من الوصول إلى قمة الجبل ومنه إلى الطائف. رحلة شاقة وممتعة ما زالت عالقة في الذاكرة.
وقد حدث لي في التسعينات الميلادية، أن توقفت ومعي العائلة على بداية طريق الهدا لشراء فاكهة من هناك، وخرجت من سيارتي، وإذا بها تتمخطر نزولاً بهدوء إلى الأمام. وعندما عدت إليها، ما صدَّها إلا أنها اتكأت على سيارة أمامها، كان صاحبها أحزم مني فشدّ كابحها. ولولا لطف الله الذي سبّب الأسباب بوجود سيارة ثابتة، لوقع ما لا يُحمد عقباه.
إن طريق مكة / الطائف، طريق عملاق في تخطيطه، وهندسته، وسعته، وخدمته لكافة سالكيه.