يتمتع سائق النفود بمهارات متقدمة وخبرات عالية لا يمتلكها سائق المدينة الذي يتفاخر بالتفحيط في الشوارع والطرقات، ويعتقد أنه سائق موهوب لا يشق له غبار؛ في حين أنه سيتورّط كثيراً لو وضعته مع سيارته وسط النفود.
تتطلّب قيادة السيارة في صحراء الدهناء أو النفود الكبير حيث الكثبان الرملية التي تشبه جبال السروات، مهارات يصعب حصرها في هذا المقال. السرعات العالية لا تنفع هنا؛ وإنما سرعة متوازنة لا إفراط ولا تفريط، وبحسب نوع الطريق الذي أمامه. ليس من المهارة أن تشق عباب الجبل الرملي المرتفع في خط مستقيم، وبسرعة هائلة، وإنما من الأفضل أن تصعده بشكل مائل يتيح لقائد السيارة أن يجسّ نبض الأرض التي يمشي عليها، كما تتيح له في الوقت نفسه، أن يتراجع ويعود أدراجه من حيث أتى عندما يصعب امتطاء صهوة هذا الجبل الرملي، أو عندما تضعف قوة السيارة إلى الدرجة التي تغوص إطاراتها في الرمال، وبالتالي توقّفها، وتعَّريض أصحابها للخطر، خاصة في الأجواء الحارة التي تتميّز بها المملكة صيفاً. سائق النفود يراعي الظروف التي أمامه فيبتعد بخبرته عن الأرض التي تكون فيها الرمال كميناً تمتص عجلات السيارة مهما كانت السيارة تتميّز بالقوة والمتانة، أو من ذوات الدفع الرباعي، كما أنه يتلافى الطرق الوعرة، ويبتعد عن الشجيرات الكبيرة، التي تعيق حركة السيارة، فيتحرّك خلال الرمال بانسيابية ورشاقة، ويتجاوز الهوّة السحيقة التي تكون عادة بين الكثبان الرملية العالية، ويتحرك من خلالها بطريقة حلزونية مدهشة. كلنا نتذكّر المتسابقين الأجانب في مرحلة وادي الدواسر في رالي داكار، عندما علقت تسع مركبات في مكان عميق وسط الكثبان الرملية يُطلق عليه شعبيا ” نقرة”. لم تنفعهم مهاراتهم في النجاة من هذه المصيدة التي التهمت الشاحنة، والسيارة، والدراجات النارية، التي شاركوا فيها. فقط سائق النفود الحقيقي، الذي أمضى وقتاً طويلاً، وتراكمت معرفته، ويتمتع بالحضور الذهني، ومهارات اتخاذ القرارات الصحيحة والمبادرة، هو القادر على النجاة في مثل هذه الظروف. لهذا السبب، أستخدم هذه الصورة المجازية الثرية مع الطلاب وأنصح الواحد منهم أن يكون “سواق نفود” في المدرسة أو الجامعة أو خارجهما؛ بل في سائر حياته. سائق النفود لا يستخدم دليلاً إرشادياً (أو كاتلوج كما يقول عادل إمام) ينقل منه حرفياً كيف يتصرّف. الحياة تتطلب شخصا بمواصفات “سوّاق النفود”، يلفّ بسيارته نحو اليمين، عندما يواجه شجرة كبيرة، أو نحو اليسار، عندما تكون الجهة اليمنى من الطريق وعرة. القرارات تكون بحسب الظروف الطارئة التي تظهر فجأة في الطريق، ولا يمكن توقّعها في مرحلة تخطيط الرحلة.
كانت الفقرة السابقة مثالاً على ثراء الصورة المجازية وفعاليتها في الوصول للمعنى. إسرائيل، على سبيل المثال لا الحصر، تمثّل صورة مجازية مفادها أنها “دولة وظيفية” لا تحمل أي أهمية نابعة من ذاتها. هي، كما يقول عبد الوهاب المسيري الذي يعتبر أفضل دارس عربي لها، مجرد “كلب حراسة” قوي للمصالح الغربية، رأسه في واشنطن، وذيله في القدس، ومن هنا يأتي الحرص على رعايته، أو “عاهرة موانئ” تقتات على ما تكسبه من البحّارة والمسافرين والتجّار الذين يعيشون بشكل مؤقت في هذه الموانئ، أو هي “حاملة طائرات” أمريكية، تؤدي دورا وظيفياً مؤقتاً في منطقة استراتيجية، قد ينتهي بنهاية هذه الوظيفة. لعل هذا يكون قريباً.
khaledalawadh @