في عددد الأربعاء الماضي من جريدة البلاد الغراء، سطّر الأستاذ يوسف الحسن مقالا بعنوان:[مستقبل المكتبات الخاصة ]، تناول فية قضية مهمة تتعلق بالمكتبات الخاصة التي تحتفظ رفوفها بنفائس من الكتب، والمؤلفات الهامة، وربما المخطوطات، التي سافر جامعها مئات أو آلاف الكيلومترات من أجل شراءها، والحصول عليها أو نسخ منها.
وهو وحده الذي يعلم قيمتها الفكرية وأهميتها، ومن المؤسف أنه بمجرد وفاة صاحبها، تنتقل هذه الثروة من الكتب إلى ورثتة الذين ربما لا يدرك بعضهم أهميتها؛ إما لعدم إهتمامهم بها، أو لتغيُّر أمزجة كل جيل عن الجيل الذي سبقه، أو تغيُّر أولوياته، وهكذا، فإن أمامهم خيارات بعد وفاة صاحبها، وهي إما إبقاؤها على ما هي عليه، وهو أمر صعب، وقد لا يدوم؛ من جراء الحيِّز الذي تشغله، وتغيُّر سكن الأبناء والبنات، أو أنهم يتوزّعونها فيما بينهم، أو يعرضونها للبيع، وهنا الطامة الكبرى. ومن المؤكد ان المكتبات الخاصة تعد جزءًا مهمًا، وضروريًا في حياة أي مثقف وأديب، بل لكل إنسان محب للقراءة، والاطلاع أنفق في سبيل ذلك الكثير من المال، واختار حصيلة كتبه بصبر ودأب، وأصبحت المكتبة جزءاً لا يتجزأ من حياته الشخصية، ولعل البعض يفكر في أحيان كثيرة، في مآل هذه الثروة ومصيرها، وهل ياترى يحافظ عليها أبناؤه من بعده أم تنالها يد الإهمال فتختفي من الوجود كما اختفى هو؟ومن المؤسف نسمع الكثير من القصص عن إهمال بعض المكتبات الخاصة، أوبيع كتبها القيِّمة، ومن يعرف سور الازبكية في مصر على سبيل المثال، أو يزور سوق الحراج عندنا، سيجد العديد من الكتب والمؤلفات الهامة تباع بـأبخس الأثمان، ولعلي أشير هنا إلى بادرة تؤكد ثقة صاحبها في الدور الذي تقوم به دارة الملك عبدالعزيز لخدمة المصادر والمراجع التاريخية، فقد قرأت على موقع{ الدارة} خبراً بتاريخ 27 أبريل 2021م عن قيام رجل الأعمال عيسى القصير من محافظة الطائف بإهداء مكتبته الخاصة لمركز تاريخ الطائف الذي يحظى بالرعاية والعناية من الدارة وجامعة الطائف، حيث أعلن في ورشة العمل الموسومة بـ (المكتبات الخاصة في الطائف، ودورها في نشر الثقافة) عن إهدائه مكتبته الخاصة ومحتوياتها وإيداعها بمركز الطائف.
وفي تصريح لصاحب المكتبة قال: “إن دارة الملك عبدالعزيز قدمت أكبر هدية لأبناء الطائف بالمساهمة في إنشاء مركز تاريخ الطائف، وبهذه المناسبة تبرعت بمكتبتي إلى المركز، كما سأتبرع بست مخطوطات تاريخية وثائقية عن مدينة الطائف، وكذلك (200) صورة فوتوغرافية لمدينة الطائف”، مشيرًا إلى أنه منذ صغره، كان مهتمًا بالقراءة، وشراء الكتب، بالإضافة إلى التأليف، حيث أنه سبق أن أصدر ستة كتب عن تاريخ الطائف.
بدوره قدم معالي الأمين العام للدارة الدكتور فهد بن عبدالله السماري شكره وتقديره للفتة الكريمة التي بادر بها القصير، وأكد على أن المكتبة ستحظى بأقصى درجات العناية والصيانة من الجهات الفنية في المركز والدارة، بما يمكِّن الباحثين من النهل من معين تلك المكتبة المميزة]، ولاشك ان أفضل وسيلة للحفاظ على المكتبات الخاصة، وتخليداً لذكرى أصحابها، هو إهداءها إلى إحدى مكتبات المؤسسات العلمية، أو الجامعات، والمعاهد العليا، أو إحدى المكتبات العامة، فهي في هذه الحالة، تخرج من حيز الخصوص، إلى العموم، وتتصل وظيفة صاحبها في الحفاوة بالكتب والتثمين للمعرفة والإشعاع بها عبر إتاحتها للأجيال. وأعتقد أن المكتبات العامة والجامعية، سوف تحتفي بالكتب المهداة إليها وتضعها في أماكن خاصة بها مع التعريف بمن قام باهدائها، ولعلي أشير هنا إلى أن مكتبة جامعة الملك سعود بالرياض على سبيل المثال -وهي من أضخم المكتبات في المملكة-، تضم كتبًا من مكتبات خاصة تم إهداؤها إليها وعليها أسماء أصحابها، أو لافتات تشير إليها.
وبعد، فان هناك عدة وسائل للتبرع بالمكتبات، وإنقاذها من الإهمال والضياع، ولعل أفضلها، أن يقوم الإنسان باهداء كتبه في حياته، أو يوصي بها لأي مؤسسة علمية وثقافية.والله المستعان.