اجتماعية مقالات الكتاب

العصا

سمعت أن رجلا اختصم مع أخيه على ميراث، واشتدت المجادلة بينهما حتى تماسكا بالأيدي، وكان بقربهما إبن لأحدهما، فأخذ هذا الولد عصا، وضرب عمه على قفاه. فثار الإثنان وقبض الأب على ولده صائحاً فيه: أتجرؤ يا كلب على ضرب أخي؟ فقال الإبن: ولكني أردت أن أساعدك. قال الأب: هذه ليست مساعدة، هذه وقاحة، وقلة أدب، فعمك هذا هو أخي، وقد تربينا سوياً ونحب أحدنا الآخر، مهما حدثت بيننا من مشاكل.

كان الأب حانقا أشدّ الحنق، ثم انتزع العصا ليضرب بها ولده. وهنا تدخل أخوه بينهما وقال: اسمع.. أسمع يا أخي: ما دام الأمر كذلك، فأنا رهن إشارتك، خذ ما شئت من الميراث واترك ما شئت، وتعانق الإثنان كحبيبين، وانتهى ما بينهما من خصومة.
ومن قصص العصا، أذكر أنه فرّ من مدارس الفلاح قبل ستين سنة، فتىً تعرَّض لضرب مبرح، اعتماداً على قانون العصا لمن عصى. ومن العجب، أن الليالي، والأيام، تقلّبت به، حتى صار في كهولته، من قادة مدارس الفلاح، حين كانت خاصة. ولعله قام بتعديل أو إلغاء الضرب من المدارس. وكان استخدام العصا في مدارس الفلاح فناً يعين على العلم لكن بضوابط صارمة.

وقد تفنَّن الناس في صناعة العصي. والبعض اتخذ تجميع العصي هواية. وأعرف رجلاً كان عنده عشرون عصا مختلفة، غالية الثمن، من أخشاب متنوعة، وأشكال فنية، وخصوصاً عند الرأس، حتّى أن بعضها تتحول إلى سلاح إذا استللت رأسها، ينفك منها ومعه شريحة حديدية مثبتة فيه. غير أنه لم يستخدم معظمها بسبب ارتفاع بعضها عن مستوى الورك، أو انخفاض البعض الأخر عن الورك.

كان موسى عليه السلام قبل النبوة، قد استوى، لكن ما كان لديه عصا، إلا بعد أن عمل أجيراً، وراعياً، لدى شعيب عليه السلام. فلما غادر مدين بعد عشر سنوات من العمل، أخذ أهله، وأخذ عصاه التي قال بعض المفسرين إن طولها عشرة أذرع. ولا عجب.
وقد روى بعض المفسرين أن كلاب شعيب الذين يحرسون الغنم في مدين، كانوا اثني عشر ألفاً، فما بالك بعدد الغنم؟ وقد سأله ربه وهو أعلم به: “وما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى”.

فموسى عليه السلام يهش بالعصا على غنمه، أي يضرب ورق الشجر كي يتحات، حتّى يحطّ على الأرض، فتأكله الغنم. لكن هناك التوكؤ ومآرب أخرى للعصا. أما ضرب الزوجات فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يضرب خياركم. وما أُثر عنه أنه ضرب أيا من زوجاته. وللأسف كثير من الناس لا يفقهون. فلا بد من توعيتهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *