ما من فرد في المجتمع، إلا وله حاجة مع مسؤول، وطرقَ بابه، أو فكر مرارا وتكراراً، وحار، واستخار، لكن المسؤولين، ليسوا سواء، فهناك المخلص، المتجاوب، الذي لا يغلق بابه أبداً، وهذا من الفئة التي وفّت بأداء القسم، وكانت أهلاً للأمانة، وهم و-لله الحمد-، الغالبية في بلادنا، لكن هذا لم يمنع وجود فئة أخرى، همّها المواطن، ومصلحته، لكنهم لا يدومون طويلاً، (وهذا عزاؤنا)، ذلك أن علاقة المسؤول مع المجتمع، تشكِّل النسبة الأعلى في نجاحه، وفي تميّزه.
قادني لهذه المقدمة، اللقاء الذي جرى مع نائبة وزير السياحة، بطلاب وطالبات كلية السياحة، حين سألها أحد طلاب الحالات الخاصة، أو ذوي الإعاقة، عن شرط سلامة الحواس لدى المرشد السياحي؟ ما لفت انتباهي، وانتباه الجميع، هو تجاوب الأميرة هيفاء نائبة وزير السياحة، واتصالها المباشر بمعالي الوزير، وأخذ خبر الغاء هذا الشرط بشكل فوري، ممّا أشعل القاعة فرحاً، فذوو الاحتياجات الخاصة بعضهم يملك المقدرة على الشرح، وتناول أطراف المعلومات، بمهارة فائقة، ولا يعيقه كونه مقعداً، لكني حقيقة لم أفهم بالضبط ما المقصود بسلامة الحواس، فما نعرفه أن الحواس، هي:(السمع والبصر والذوق والشم واللمس) حسب تصنيف أرسطو، والتي سلم بها العالم زمناً طويلاً، وأضاف آخرون الحاسة السادسة، وهي: (الفطنة أو الحدس)، ولعل أهم حاستين سلامتهما مهمة جداً للمرشد السياحي، هما (السمع والبصر)، وأنا أعتقد أن الحاسة السادسة، حاسة الفطنة،أودقّة الحدس، مهمه لجميع الناس، إلا أنها ميزة لا تتوفر في أي أحد، ومهم توفرها في المرشد، وهناك دراسات ظهرت، تؤكد أن البشر يملكون عدداً من الحواس، أكبر بكثير من الحواس الخمس، ويذهب بعض العلماء، إلى أن البشر يستخدمون 22 إلى 33 حاسة مختلفة في حياتهم اليومية، كما ذكر ذلك المنتدى الاقتصادي العالمي في تقرير له، وذكر بعض العلماء أكثر من ذلك ، تُرى ماهي الحواس التي لم يذكرها أرسطو ويعتمد عليها البشر في حياتهم وتعاملهم مع البيئة؟
حواس عديدة بالفعل، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: ( حاسة الألم ، الحس الحركي ، حاسة التوازن ، الإحساس الزمني)، أضيفوا إلى ذلك: (الإحساس بالحياة)، وغير ذلك ممّا يستوقفنا لنقول: (سبحان الخالق العظيم والحمد لله على عظيم نعمه). نعود لذوي الاحتياجات الخاصة، وحقهم في العمل، وإشراكهم في بناء الوطن، طالما يملكون وعياً، وحواساً، تمكَّنهم من التعايش، والعطاء، وحسن الأداء، وتستوقفنا جرأة ذلك الشاب، الذي طرح على نائبة الوزير سؤالاً، حرّك اهتمامها، واستوقفها عند قرار كان خاطئاً، وفي لحظة، تواصلت مع الوزير، وفي لحظة صدرت الموافقة بعيداً عن البيروقراطية، والأخذ والرد، وتشّكيل لجنة لدراسة الطلب، وبعد أسابيع، أو شهور يأتي الرد، وغالباً سيكون بالرفض.
الأميرة هيفاء، ليس لأنها أميرة حصل ذلك، بل لأنها مسؤولة مخلصة، التقت مع الطلبة والطالبات، وهي كفء لهذا اللقاء، فهو لقاء بالمستقبل الواعد، أبناء هذا الوطن العظيم، يليق بها وبهم، أن تكون طلباتهم تحت المجهر، سريعة الاستجابة، ويستحقون ذلك.
لقاء نائبة وزير السياحة، واستجابتها الفورية وإلغاء قرار في ذات اللقاء، إنما هو درس للمتخاذلين أصحاب: (سننظر، سنجتمع ونقرر،، سندرس )، درس للذين يرون القرارات الوزارية، والإدارية، إنما هي دستور مقدَّس لا يطاله التغيير، ونسوا أنها قوانين وضعية مرنة يطالها التغيير، والتبديل، للمصلحة العامة، وأنه يحق للمسؤول أن يحرِّك القرارات، ويطوِّعها لمصلحة الوطن، والمواطن، والعمل، فإذا كان المسؤول جامداً، لا يحرِّك ساكناً، إلا بعد شهور وشهور، فلا يستحق الثقة، وإنما وجوده، هدر للأيام والإنجازات.
كم من مراجعين، وأصحاب طلبات، جفّت أقلامهم، وحفيت أقدامهم، وبُحّت أصواتهم، على أبواب بعض الوزارات، والإدارات، ولم تقض حاجاتهم، بسبب تعسُّف، وجهل، ولامبالاة مسؤول، حتّى لو حمل أعظم، وأكبر الشهادات، فالشهادات اليوم، صار مشكوكاً في أنها حافزاً ليقظة الضمير، والحواس المهمة، لجودة العطاء، وارتقاء العمل، وذروة الإخلاص، هناك حاسة الولاء والصدق والأمانة، تحول بين المسؤول والتجاوز، وهدر مصالح الوطن والمواطن.
تحية لنائبة وزير السياحة، ولوزير السياحة، ولكلية السياحة، ولذوي الاحتياجات الخاصة، تحية للإيجابيين، والمخلصين في الأرض، لأنهم نعمة، ودمتم.
(اللهم زد بلادي عزاً ومجداً وزدني بها فخراً وعشقاً).
@almethag