اجتماعية مقالات الكتاب

لحم طير

اقترح عليّ أحد الجيران شراء ديك رومي من حلقة الخُمرة في جنوب جدة. فسألته: متى؟ فقال: إنه ذاهب إلى هناك بعد يومين. فقلت له: هذه أول تجربة لي في شراء ديك رومي، لكن فضلاً إذا اشتريته، قل للذبّاح يقسمه نصفين، وأنا أدفع نصف القيمة، وعليك النصف الثاني. فوافق.

واستقبل منزلي لأول مرة في حياتي نصف ديك رومي. فنحن مثل أغلب الطبقة المتوسطة نعيش على الدجاج أو السمك وأحيانا لحم غنم أو بقر. وقد وجدت لحم الطير الجديد هذا يستحق شراء رأس كامل. لكن كان طبخه متعباً جداً. فكانت تلك البيعة الأولى والأخيرة.

ميزة هذه القصة، أن جاري قام باختيار الديك الرومي وهو حي، ويروح ويجئ بكامل قواه الاعتبارية والبدنية ويقوقؤ. ثم ذبحه الذباح أمام عيني الجار. إلا أن الرأس لم يكن من نصيبي. فتذكرت قصة تراثية عن بخيل أعطى خادمه ديكاً ليذبحه فجاء باللحم دون الرأس فأخذ البخيل يعدد مزايا الرأس ويسهب في الثناء على العينين والمخ ويتحسر بطريقة مضحكة حتى أنه أثنى على لسان الديك والنغمة الفريدة الطويلة في القوقأة أو الكأكأة التي يغار منها أي مطرب حال سماعهما. ولا أعلم كيف سيعثر هذا البخيل على لسان الديك بعد الشي، إن كان يحب اللحم مشويا، أو السلق، إن كان من محبي اللحم مسلوقاً.

الشاهد أننا كنا فيما مضى من الزمان، نشتري من محلات الدواجن الدجاج حياً، ثم يذبحه العامل أمام أعيننا، وينتظر دقيقتين أو ثلاثا حتى يستصفي الدم كله من الدجاجة، ثم يحملها من رجليها، ويغمسها في ماء ساخن جداً، وهو ماسك بالرجلين مدة دقيقة ثم يرفعها ويرميها في “النتّافة” الكهربائية، التي تنتف ريش الدجاجة، فلا تترك شيئا منه فوق الجلد. وإذا بقي شيء، فإن الذبّاح ينظّف “الذبيحة” تماماً، وبعد ذلك يقطع الدجاجة حسب الطلب، ويسلمها للزبون.

كان ذلك منذ عشرين سنة أو أقل قليلاً. لكن بسبب الشكوى العالمية في ذلك الحين من انفلونزا الدجاج، رأت الجهات المختصة، منع هذه العمليات منعاً باتاً، وصرنا نشتري الدجاج مبرَّداً، لا حياة فيه، من محلات الدواجن، أو من أي بقالة، وانتهى عهد اختيارك دجاجتك بنفسك.

لقد كنا نقف أمام الأقفاص، وضجة القوقأة تملأ أسماعنا، كلما شعرت هذه الطيور بالخطر الآدمي حولها، ونمدّ أيدينا فنمسك الدجاجة المطلوبة، وهي تحاول الفرار داخل القفص، ثم نسلمها للعامل كي يتولى ذبحها وتنظيفها.

لقد كان انفلونزا الدجاج، جاثماً على المجتمعات في معظم أقطار العالم مدة سنتين أو ثلاث سنوات. وقد مرت بضع عشرة سنة منذ أن تخلصنا من مضاعفاته، لكن بقيت آثار الاحتراز منه إلى يومنا هذا. ولعل من المفيد إعادة النظر في السماح بمحلات بيع الدواجن حية وذبحها أمام أعين الزبائن ليأكلوها شهية طازجة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *