إستكمالاً لسلسلة المقالات حول أنظمة و استخدامات الفضاء الخارجي، فإنني سأتناول في هذا المقال بعض جوانب استخدامه في البثّ التلفزيوني الذي كان من أوائل الاستثمار التجاري للفضاء ، وهذا البثّ ذو طبيعة مزدوجة ، فهو من جهة يتم عبر الأقمار الصناعية الموجودة في الفضاء الخارجي، ومن جهة أخرى يبث إشاراته إلى أجهزة الاستقبال المتمركزة في الأرض، والدول تلتزم عند استخدام البثّ التلفزيوني المباشر، بمبدأ حرية استخدام الفضاء الخارجي للأغراض السلمية، وذلك بالخضوع للأحكام العامة لقانون الفضاء الدولي ، وبشكل خاص مبادئ معاهدة الفضاء الصادرة عام 1967، ومع أن البث التلفزيوني المباشر يفتح آفاقا جديدة لتقريب الأمم وفتح المجال للتبادل الدولي للمعارف والثقافات ، لكنه يثير إشكالية قانونية متعلقة بالتعارض بين مبدأ سيادة الدول على أقاليمها ومبدأ حرية المعلومات ،
وقد دارت المناقشات الدولية في لجنة الفضاء بالأمم المتحدة حول الجوانب القانونية للبث المباشر عبر الأقمار الصناعية ، حيث عقدت اللجنة عدة جلسات ما بين عام 1969 وحتى عام 1974 ، قدمت فيها كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي وكندا والسويد والاتحاد الدولي للاتصالات، أوراق عمل ومقترحات لأجل التأكيد على تطبيق معاهدة الفضاء الخارجي على البث التلفزيوني المباشر ، ومحاولة التوفيق بين مبدأ سيادة الدول ومبدأ حرية المعلومات، وذلك بغرض دعم أنشطة البث التلفزيوني المباشر، وفتح الباب أمامه دون الحاجة للاتفاق المسبق بشأنه مع الدول المستقبلة ، استنادًا إلى النظرية العامة لحقوق الإنسان، وتأسيسا على أن حرية الأفراد مكفولة للوصول للمعلومات، باعتبار ذلك من الحقوق الأساسية للأفراد ، إلا أن الإطار القانوني الخاص بتنظيم البثّ، ما زال في طور التكوين ، بسبب تباين مصالح الدول الكبرى والدول النامية، وبالرجوع الى معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967، واتفاقية المسؤولية الدولية عن الأضرار التي تحدثها الأجسام الفضائية، يتبين أن الدولة مسؤولة عن أي ضرر تسببه نتيجة أنشطتها الفضائية، تأسيسًا على المبدأ الثامن من المبادئ المنظمة لاستخدام البث التلفزيوني المباشر، القاضية بأن الدول تتحمل مسؤولية ما تقوم به أنشطة في ميدان البث التلفزيوني المباشر، وفي هذا الصدد، ينصّ المبدأ الثامن من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 37/92 لعام 1982، على تحمل الدولة المسؤولية عما تقوم به تحت ولايتها الفضائية من أنشطة في ميدان الإرسال التلفزيوني الدولي المباشر، بواسطة التوابع الاصطناعية لها، وأن تتم الاتصالات الفضائية وفقاً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ، وهو ما أشير إليه في المادة الثالثة من معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967، من التزام الدول الأطراف في المعاهدة عند مباشرة أنشطتها في ميدان استكشاف واستخدام الفضاء الخارجي، على مراعاة القانون الدولي بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة، بغية تعزيز التعاون، والتفاهم الدولي، وصيانة السلم والأمن الدوليين.
إلى لقاء في مقال آخر بإذن الله حول استخدامات الفضاء الخارجي من منطلق مواكبة علوم العصر، والله الموفق.