قرأت ذات يوم هذا السؤال الذي عنونت به مقالي في منصة اكس، وتباينت آنذاك الإجابات عليه. ولست هنا لأقدم إجابة قطعية، بل أثير التساؤلات مقارنةً بينه وبين صانعه، المترجم البشري وذلك مما لاحظته ووقفت عليه من خبرة امتدت في هذا المجال لأكثر من عقد من الزمان. لننطلق من أن المترجم البشريّ، هو إنسان يعرف لغتين أو أكثر بثقافاتهم المختلفة على نقيض نظيره الآلي الذي يترجم استناداً على ما أُدخل فيه من لوغاريتمات لا تحمل في طيّاتها أي مشاعر أو اعتباراتٍ للمتلقي.
إن إلمام المترجم البشريّ بثقافات اللغات التي يترجم منها أو إليها ، يعطيه ميزة التعرف على المواضيع الحساسة والمشاعر الإنسانية التي قد تعتري الأمم تجاه قضية أو موضوع محدد، فعندما يترجم المترجم السعودي خبراً عن مشاريع رؤية ٢٠٣٠ ، فستعتري نبرة الحديث الفخر منعكساً في انتقائه للمفردات. ويظهر ذلك أيضاً في أقرانه من المترجمين العرب مما لاحظته بحثياً وعملياً أثناء ترجمة العبارات المخالفة شرعياً أو تربوياً كالكلمات النابية وذلك مراعاة لطبيعة المجتمعات العربية المحافظة. وهذه الصبغة الإنسانية والثقافية لا يمكن للمترجم الآلي مجاراتها.
ننتقل بالإضافة إلى ما سبق إلى تحدِِّ آخر للمترجم الآلي، ألا وهو التعامل مع اللهجات المحلية التي تتمايز لكل دولة، بل أيضاً في نطاق الدولة الواحدة. وقد تكون هذه اللهجات أصعب من أن تحصى أو تدون تدويناً لوغاريتمياً ليكون لها برنامج خاص يحتويها. في حين أن المترجم المتمرس قادرٌ على التمييز بين هذه اللهجات، وفهم سياق الحديث ومفردات اللهجات المميزة.
أخيراً وليس آخراً، تزدهر اللغات وتتطور بالتعاملات اليومية بين البشر والذي يعدُ تحدٍ شائك للآلات. فتحدث أغلب المعاجم العربية أو الإنجليزية دوريّاً لتواكب التطور الذي يطرأ على اللغات إما بإدخال كلمات جديدة أو إزالة آخرى لدخولها طيّ النسيان. فعلى سبيل الذكر لا الحصر، يستخدم الناس في العالم أجمع كلمة “الساندويتش” التي أدخلت على العربية باستخدام استراتيجية النقحرة وذلك لأن معناها العربي الذي أُصدر بداية استخدام هذه الكلمة في المجتمعات العربية كان عبارة عن وصفها بالتالي: “الشاطر والمشطور وما بينهما” مما يجعل استخدامها بصورة يومية مستحيل لصعوبتها وطولها، مقارنة بأن هذه الكلمة تستخدم لتصف طعاماً يعد بسرعة. ففي هذه الحالة مثلاً، قرر البشر أن يُنَحُوا الجملة الوصفية ويدخلوا الكلمة الإنجليزية إلى العربية لاستخدامها مستندين على سهولتها لهم وقدرتهم استخدامها اليوميّ، فهذا التقدير البشري لا يتم آلياً وإن قُدّر آلياً فسيكون بمساعدة بشريّ.
اللغات واللهجات أُوجدت ليتواصل البشر فيما بينهم لينقلوا ثقافاتهم وعلومهم لشعوب العالم أجمع، فهي بدأت بالبشر وللبشر وكما يقال :”أهل مكة أخبر بشعابها”.
عضو هيئة تدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
AbeerAlkahtani1@