اجتماعية مقالات الكتاب

حكاية الشوق للزمن الجميل، زمن الطيبين

كثيرة جداً الفيديوهات التي تستعرض الحياة الماضية في جميع أشكالها من منازل وأثاث ومأكولات ومشروبات وبضائع ونمط حياة بالكامل الغريب أنه حتى الشباب الذين لم يعيشوا شيئاً من ذلك الماضي يتغنون به ويتداولون مقاطعه وذكرياته بكل إعجاب.

ناهيكم عما يعتري الكبار وما يخالج نفوس وخواطر الذين عاشوا ذلك الزمن وتربعوا على عرش ذكرياته وهؤلاء لا نستغرب عشقهم وولههم على الزمن الجميل الذي كما يحلو لهم ولنا جميعاً تسميته لأنه بالفعل قمة الجمال فقد اقترن الماضي خلال الأربعة أو الخمسة والستة عقود الماضية بمرحلة سلسة سهلة رغم ما فيها من صعوبات، أحيانا أتساءل عن سبب انجذاب الناس كباراً وصغاراً، من عاشوه ومن لم يعيشوه ما سبب شدة الميل للماضي ونمط الحياة فيه حتى أنهم أصبحوا ينقبون عن التراث في حياتهم وحياة عائلاتهم وكبارهم وحكاياتهم! ولو بحثنا عن سر عشقنا للماضي والدموع التي تمتلئ بها عيوننا حين نعرج على ملفاته وعلى صور الذكريات، على المنازل والأثاث ،على الولائم والمناسبات،ونردد (الله ياوقت مضى لو هي بأيدينا ما يروح) .

كل تلك الصور الجميلة العالقة في أذهاننا والتي يتداولها الجميع بشوق ، جميعها تتسم بطابع (البساطة والعفوية والصدق) إذاً فالسر هو تلك العناوين التي تميز بها الزمن الجميل كانت الحياة بسيطة وغير متكلفة علاقات الناس نابعة من القلب شفافة رغم عمقها حنونة رغم صلابتها،حكاية الناس في الزمن الجميل بكل تفاصيل حياتهم لم تتسم بالتعقيد بل كانت غاية في البساطة فكانت ولائمهم كريمة وفي نفس الوقت دافئة جمعاتهم كأصدقاء وصديقات وجيران غاية في الود واليسر لقاءات ممتعة ثرية بالمحبة قرارها يتخذ قبلها بساعة أو أقل من خلال مكالمة هاتفية من هاتف إذا سمعنا رنينه كأننا نسمع أعذب لحن لأنه ينبئنا بأن هناك من يريد السؤال عنا أو تهنئتنا أو دعوتنا ، العلاقات الاجتماعية في الزمن الجميل كانت مختلفة تماماً حين يجتمع الأهل والأصدقاء في مكان واحد عقولهم وقلوبهم معاً لا يشغلهم عن بعضهم شيء كما هو اليوم مجتمعين لكن كل واحد منهم في عالم خاص به تجمعنا غرفة ويفرقنا جوال، لم تعد مجالسنا (في غالبها) كما كانت عامرة بالحكايات والأحاديث الودودة تلك المجالس التي كان يتعلم منها الصغار القيم والأخلاق والأدب ، مجالسنا في الزمن الجميل ومع أهله الذين صنعوا جماله كان أدب الاصغاء يسودها فلا يمكن أن يتحدث اثنان في نفس الوقت الأحاديث متبادلة بأصول جميلة كجمال أهل الزمن الجميل ! ذاك الزمن بحق يستحق تسميته بالزمن الجميل وأهله يستحقون تسميتهم بالطيبين لأن الطيبة كانت عنوانهم (مع أن الطيبين في كل زمان ومكان موجودون) لكنهم في ذاك الزمن كانوا الغالبية لأنهم يرون الطيبة خلق كريم . لم يكن الجار يبخل على جاره بمشاركته همومه وأفراحه وأتراحه ووقفات مساندة والأخ كان يفدي أخيه ويضع أخته تاجاً على رأسه والعائلة كانت عائلة متماسكة تلتقي على وجبات ثلاث يعرف كل منهم عن الآخر كل شيء تجمعهم جلسات عائلية بعد المغرب من كل يوم كانت (الحارة) بمثابة بيت العائلة الكبيرة (أهلها) الكل يتشارك في تربية الأبناء حين كنت صغيرة كنت أحسب رجال الحارة كلهم أعمامي ونسائها خالاتي لقوة العلاقة بينهم وبين أمي وأبي وأكن لهم من الهيبة والحب مثلما لأهلي . اليوم قد لايجروء العم والعمة أو الخال والخالة على محاسبة أبناء العائلة ناهيكم عن الجار! وأين هو الجار اليوم ؟ يقال أن أحد الأثرياء في جلسة عشاء مع أصدقائه رصد مكافأة مئة ألف ريال لمن يعرف عشرة من جيرانه لكن للأسف لم يحصد أحد الجائزة! الزمن الجميل صنعه أهله الطيبون (نعيب زماننا والعيب فينا، وما لزماننا عيب سوانا) ولتكن البساطة والشفافية والطيبة وحسن الظن والاحترام ،هي دائرة علاقاتنا الاجتماعية ودمتم. (اللهم زد بلادي عزاً ومجداً وزدني بها عشقاً وفخراً).

@almethag

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *